حصرى بقلم/ د محمد عطا عمر
تحدثنا في الحلقات السابقة عن معالجة الأزمات من منظور الشريعة الإسلامية, وتحدثنا فيها عن الاستغفار ثم التوجه إلى الله بالدعاء والرجاء, ثم التأمل والتدبر في إيجاد الحلول وإتباع المنهج العلمي في معالجة الأزمات, ثم تحدثنا في الحلقة الرابعة عن الصبر, وفي هذه الحلقة نستكمل الحديث عن معالجة الأزمات من منظور الشريعة الإسلامية, وذلك للحديث عن العنصر الخامس ألا وهو ” الرجوع إلى الله والتوبة النصوح ” حين تبدأ الأزمات, على المؤمنين ألا ينهاروا, بل يفكروا في أخطائهم ومعاصيهم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)﴾ (سورة فاطر: الآية 45), وليس إهمالاً منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجزا حاشى لله, وإنما لإعطائهم الفرصة لتقديم التوبة (عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي: تفسير السعدي, ج1, ص 759). وحين تتحق التوبة النصوح تبدأ الأزمة بالانقشاع, ففي لحظات الدعاء الحقيقي والتوبة النصوح يصل المؤمن إلى ذروة الصفاء مع الله عزَّ وجل، فتُزالُ القيود وتنزاح الحجب بين الخالق والمخلوق، خاشعاً منيباً، طامعاً بفضل الله، راغباً في طلب المزيد، متوجِّهاً إلى ربٍّ جليلٍ كريم؛ فتنحلُ العقد وتنفرج الكرب وتنقشع الأزمات. يقول الله عز وجل ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(118)﴾( سورة التوبة: الآية 118), لقد وصف القرآن الكريم حال هؤلاء الثلاثة الذين خُلفوا عن رسول الله ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ وليس هناك أصعب وأقسى من أن يضيق الإنسان بنفسه فهي أصعب مستويات الأزمة، ولكن عندما يتوب العبد فهو يعود إلى ربه طالباً المغفرة عن العصيان والذنب، فذلك يعني أن الله عز وجل قد قبل توبته وسيفرج أزمته. وما نحن فيه الآن هو محنة حقيقية وكرب عظيم يستوجب منا جميعاً التوجه إلى الله بالتوبة النصوح والإقلاع عن الذنوب والاجتهاد بالدعاء والرجاء كي يرفع الله عنا البلاء والوباء والغلاء اللهم آمين يا رب العالمين.