بقلم/ أحمد الطحاوي
الحلقة السادسة من سلسلة حلقات سلاطين المماليك. السلطان المظفر سيف
لما قتل بغرلو عز قتله على السلطان وحقد عليهم لأجل قتله ولم يظهر لهم ذلك ورسم بإيقاع الحوطة على حواصله وكان لموته يوم مشهود ثم أخرج بغرلو المذكور ودفن بباب القرافة فأصبح وقد خرجت يده من القبر فأتاه الناس أفواجاً ليروه ونبشوا عليه وجروه بحبل في رجله إلى تحت القلعة وأتوا بنار ليحرقوه وصار لهم ضجيج عظيم فبعث السلطان عدة من الأوجاقية قبضوا على كثير من العامة فضربهم الوالي بالمقارع وأخذ منهم غرلو المذكور ودفنه ولم يظهر لغرلو المذكور كثير مال قلت: ومن الناس من يسميه أغزلو بألف مهموزة وبعدها غين معجمة مكسورة وزاي ساكنة ولام مضمومة وواو ساكنة ومعنى أغزلو باللغة التركية: له فم وقد ذكرناه نحن أيضاً في المنهل الصافي في حرف الهمزة غير أن جماعة كثيرة ذكروه غرلو فآقتدينا بهم هنا وخالفناهم هناك وكلاهما آسم باللغة التركية وكان غرلو هذا أصله من مماليك الحاج بهادر العزي وخدم بعده عند بكتمر الساقي وصار أمير آخور ثم خدم بعد بكتمر عند بشتك وصار أمير آخور أيضا ثم ولي بعد ذلك ناحية أشمون ثم ولي نيابة الشوبك ثم ولي القاهرة وأظهر العفة والأمانة وحسنت سيرته ثم تقرب عند الملك الكامل شعبان وفتح له باب الأخذ في الولايات والإقطاعات وعمل لذلك ديواناً قائم الذات سمي ديوان البدل فلما تولى الصاحب تقي الدين بن مراحل في الجلوس والعلامة فترجح الصاحب تقي الدين وعزل غرلو هذا عن شد الدواوين ودام على ذلك إلى أن كانت نوبة السلطان الملك المظفر كان غرلو هذا ممن قام معه لما كان في نفسه من الكامل من عزله عن شد الدواوين وضرب في الوقعة أرغون العلائي بالسيف في وجهه وتقرب من يوم ذاك إلى الملك المظفر حتى كان من أمره ما حكيناه ثم خرج السلطان الملك المظفر بعد قتله إلى سرياقوس على العادة وأقام بها أياماً ثم عاد وخلع على الأمير منجك اليوسفي السلاح دار باستقراره حاجباً بدمشق عوضاً عن أمير علي بن طغربل وأنعم السلطان على اثني عشر من المماليك السلطانية بإمريات ما بين طبلخاناه وعشرة وأنعم بتقدمة الأمير منجك السلاح دار على بعض خواصه وفي يوم مستهل شعبان خرج الأمير طيبغا المجدي والأمير أسندمر الغمري والأمير بيغرا والأمير أرغون الكاملي والأمير بيبغا أرس والأمير بيبغا ططر إلى الصيد ثم خرج الأمير أرقطاي النائب بعدهم إلى الوجه القبلي بطيور السلطان ورسم السلطان لهم ألا يحضروا إلى العشر الأخير من شهر رمضان فخلا الجو للسلطان وأعاد حضير الحمام وأعاد أرباب الملاعيب من الصراع والثقاف والشباك وجري السعاة ونطاح الكباش ومناقرة الديوك والقمار وغير ذلك من أنواع الفساد ونودي بإطلاق اللعب بذلك بالقاهرة ومصر وصار للسلطان آجتماع بالأوباش وأراذل الطوائف من الفراشين والبابية ومطيري الحمام فكان السلطان يقف معهم ويراهن على الطير الفلاني والطيرة الفلانية وبينما هو ذات يوم معهم عند حضير الحمام وقد سيبها إذ أذن العصر بالقلعة والقرافة فجفلت الحمام عن مقاصيرها وتطايرت فغضب وبعث إلى المؤذنين يأمرهم أنهم إذا رأوا الحمام لا يرفعون أصواتهم وكان السلطان يلعب مع العوام بالعصي وكان إذا لعب مع الأوباش يتعرى ويلبس تبان جلد ويصارع معهم ويلعب بالرمح والكرة فيظل نهاره مع الغلمان والعبيد في الدهيشة وصار يتجاهر بما لا يليق به أن يفعله ثم أخذ مع ذلك كله في التدبير على قتل أخيه حسين وأرصد له عدة خدام ليهجموا عليه عند إمكان الفرصة ويغتالوه فبلغ حسيناً ذلك فتمارض واحترس على نفسه فلم يجدوا منه غفلة ثم في سابع عشر شعبان توفي الخليفة أبو الربيع سليمان وبويع بالخلافة ابنه أبو بكر ولقب بالمعتصم بالله أبي الفتح وفي آخر شعبان قدم الأمراء من الصيد شيئاً بعد شيء وقد بلغهم ما فعله السلطان في غيبتهم وقدم ابن الحراني من دمشق بمال يلبغا اليحياوي فتسلمه الخدام وأنعم السلطان من ليلته على حظيته كيدا من المال بعشرين ألف دينار سوى الجواهر واللآلئ ونثر الذهب على الخدام والجواري فاختطفوه وهو يضحك وفرق على لعاب الحمام والفراشين والعبيد الذهب واللؤلؤ وهو يرميه عليهم وهم يترامون عليه ويأخذوه بحيث إنه لم يدع من مال يلبغا سوى القماش فكان جملة التي فرقها ثلاثين ألف دينار وثلاثمائة ألف درهم وجواهر وحلياً ولؤلؤاً وزركشاً ومصاغاً قيمته زيادة على ثمانين ألف دينار فعظم ذلك على الأمراء وأخذ ألجيبغا وطنيرق يعرفان السلطان ما ينكره عليه الأمراء من لعب الحمام وتقريب الأوباش وخوفاه فساد الأمر فغضب وأمر آقجبا شاد العمائر بخراب حضير الحمام ثم أحضر الحمام وذبحهم واحداً بعد واحد بيده وقال لألجيبغا وطنيرق والله لأذبحنكم كلكم كما ذبحت هذا الحمام وتركهم وقام.