بقلم/ الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بأداب الزقازيق
كان أبو الطيب المتنبي شاعرا بدرجة وزير، فأما غاية أمانيه فكانت أن يصبح أميرا،أو علي الأقل رئيس إقطاعية،أي محافظا بلغة عصرنا. و لتحقيق هذه الغاية فقد رضي لنفسه -و برغم شدة فخره بنفسه و اعتزازه بها-أن يمدح كافورا الإخشيدي حاكم مصر في ذلك الوقت،
فمدَحه بما ليس فيه نفاقا و تملقا علي أمل أن يوليه حاكما علي بلدة صغيرة علي الأقل. و لكن كافورا هذا لم يحقق للمتنبي ما أراد فبلغ غضب المتنبي منه كل مبلغ،و انقلب مدحه له إلي هجاء لشخصه و بكل أنواع الإهانة؛ و خاصة هجاءه المرير بأنه كان مجرد عبد منكود نجس. و استند المتنبي في هجائه إلي حماقة الإخشيدي التي جعلته عاجزا عن اكتشاف عبقرية هذا الشاعر النابغ و قدرته الفذة علي الإمارة،و أنه لا يقل في قدراته في ذلك عن الملوك الذين مدحهم و الجلوس بجوارهم،و ليس القاء الشعر بين أيديهم،علي غير ما كان مسموحا للشعراء في كل عصر،و خاصة مع صديقه الحميم الأمير سيف الدولة الحمداني الذي كان يحكم احدي ممالك الشام آنذاك. و من المؤكد أن صداقة المتنبي بسيف الدولة جعلته يشعر بأنه لا يجب أن تقل مكانته في هذه الدنيا عن مكانة الأمير،و بأنه لذو حظ عاثر؛إذ لم ينل ما يستحق من الجلال و التوقير! و للتعبير عن سخطه من عدم استجابة كافور له فقد قال شعرا: لكل داء دواء يستطب به…… إلا الحماقة أعيت من يداويها. و المعني المقصود هو أن سبب شقائه هو سفاهة الآخرين.و فضلا عن ذلك فقد عاني المتنبي فعلا من حسد الحاسدين و حقد الحاقدين بسبب مكانته في الشعر و صداقته الحميمة للأمراء و الحكام. و هذا هو نفسه ما التقطه الرئيس أنور السادات و أكد عليه،و هو أن الحقد هو علة كل الشرور،و أن تطلع الآخرين إلي ما في أيدي غيرهم و عدم قناعتهم بما لديهم هو أخطر العلل.أي أن الحقد هو السبب الأصلي لكل أنواع الصراعات بين الأذكياء و الأغبياء الذين لا يستطيعون مجاراة الأذكياء سوي بالأساليب القذرة. و الآن فإنني و من جانبي،و مع عشقي و تقديري الشخصي لقيمة المتنبي الشاعر و الإنسان فإنني أتفق مع رؤية الرئيس السادات لخطورة الحقد بوصفه أصل الشرور الاجتماعية و النفسية قطعا. و هذا لا يعني أبدا استبعاد دور الحماقة في إحداث الشرور،و لكن من النادر أن يصبح الأحمق صاحب قرار،و إن صار له ذلك فإن أُولي قراراته ستكون كفيلة بالقضاء عليه هو نفسه قبل الآخرين. و أنتم يا أيها القراء:ماذا ترون؟