تغطية شاملة لأحداث ملتقى الثقافة الشعبية العربية (رؤى وتحولات)

88426551 2980833168675708 6970583225345245184 o

مقال بقلم د. عزة محمود علي حسن

المنعقد تحت رعاية المجلس الأعلى للثقافة وجامعة المنصورة.. بعنوان “المرأة والتراث الشعبي العربي”

دائما وأبدا ستظل صورة المرأة العربية هي الشغل الشاغل للعقول عبر الأزمنة، ليس لأنها نصف المجتمع؛ فهي لا تكتسب مكانتها من العدد؛ ولكن من قوة التأثير وفعالية الدور الذي تشغله في الحياة بأكملها؛ فإذا نظرنا إلى البنية المجتمعية العربية سنجد أن المرأة لا تشكل الرؤية النصفية في تلك البنية من المنظور العددي المحض بل أنها تتخلل تلك البنية ليطغى تأثيرها على النصف الآخر حتى لا نكاد نستبين بوضوح انفصالها في تلك الصورة البنيوية عن النصف الآخر، وهي في ذلك شأنها شأن فيضان الماء المتدفق الذي ينساب فيملأ في مسيرته فراغات الأرض اليابسة فيتخلل البنية الكونية بطبيعته المألوفة دون صراعات بين مفردات الطبيعة، بل على العكس تمامًا؛ حيث نجد أن كل ما حولها يستشعر إيجابية وجودها فيفسح لها المجال لتشغل مكانتها التي أتيحت لها نتاجًا لجهودها الملموسة في تشكيل رؤى المجتمع وتفعيل الدور الحضاري لمفرداته البشرية والطبيعية.

من هنا انصبت الدراسات والأبحاث على استدعاء صورة المرأة في الماضي وجمع الدلالات التي توضح العلاقات الجدلية بين المرأة والموروث الثقافي ودورها الفاعل في تشكيل التراث المجتمعي بكافة روافده لكونها هي الحافظة للتراث بحفظها لتقاليد المجتمع الذي تنتمي إليه، ولكونها مفردة تتناغم مع كافة المفردات الأخرى؛ فتشكل البؤرة المحورية التي تدور حولها كافة العناصر وتنجذب لها بطبيعة النشأة والتكوين والاحتياج.

وحيث أن قوة المرأة تكمن في مدى قدرتها وإسهامها في صنع التراث وحفظه ونقله جيلاً بعد جيل؛ فقد كانت تلك السمة هي الدافع الأساسي لانطلاق فعالية “مؤتمر المرأة والتراث الشعبي العربي” من خلال ملتقى الثقافة الشعبية العربية – رؤى وتحولات – في دورته الثانية التي بدأت في الثالث من مارس 2020م لتختتم فعالياتها اليوم الموافق الخامس من مارس 2020م، لتناقش خلال ذلك المؤتمر ما ينوف عن السبعين ورقة بحثية والتي أسهم بها كوكبة من العلماء والمتخصصين في مجال التراث الثقافي الشعبي العربي وكذلك المتخصصين في مجال الدراسات النسوية الحديثة وعلم الفولكلور والأدب الشعبي مما أسهم في إثراء المؤتمر بما يخص قضايا المرأة العربية عبر العصور.

واستطاعت تلك الرؤى أن تصنع من الخلاف حول شأن المرأة مجالاً للالتقاء والتحاور، والذي أتاح الفرصة لمناقشة أوجه التفاهم والاختلاف بين الموروث الثقافي والمرجعية الدينية، وما بين التراث والعقيدة، وما يحيط بذلك من قضايا الوضع الطبقي والتطور الاجتماعي والمتغيرات البيئية والعادات والتقاليد، والتي اثبتوا من خلالها نفي الثوابت ذاتها فلا شيء يظل جامدًا مع حركة الحياة والظروف المجتمعية وتعدد روافد الثقافة، فالموروث التراثي رغم رسوخ جذوره فإنه يسمح بالإضافة ويستوعب الجديد بتطور الأجيال فلا يمكننا وصفه بالجمود، حيث أنه يقبل الاستجابة للتغييرات الناجمة عن التواصل وتؤثر فيه المنجزات والمحفزات المستجدة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وأخيرًا أقول أن المرأة هي التي حكمت العلاقة الجدلية بين التراث وتجدد الواقع؛ حيث أنها حلقة الوصل بين الماضي والمستقبل، لذلك فقد تمحورت حولها النقاشات بهذا الملتقى الثقافي الشعبي الذي اتسم بالزخم من خلال كثافة المطروح من الموضوعات التي التفت حول المرأة وعلاقتها بالرجل؛ حيث كانت هي المصدر الأول لإلهامه ولإبداعه فدارت حولها سياجات تخيلاته السردية وكانت رمزًا أسطوريًا في مختلف رواياته وإنتاجه الأدبي والفني، بل كانت هي المستهدفة في إنتاجه الملموس من خلال التراث الحرفي المتمثل في الصناعات اليدوية كالحلي والزينة والملابس والعطور، وكذلك هي الأمل والهدف عندما يكون الرجل هو البطل الباحث عن الحب والعدل والسلطة ونصرة المظلوم فتكون هي الفارسة إن كان هو الفارس، وتكون الأميرة التي يسعى للوصول إليها فتكون له المغامرة، وتكون له الأم التي يبثها مواجعه في الشدائد وأفراحه بالانتصارات.

ومن ذلك أرى أن حواء التي احتوت آدم كزوجة واحتوت العالم كأم ومثلت التراث وعايشته بكافه تراكماته يحاول آدم جاهدًا أن يحتويها في تخيلاته وينقلها في حكاياته ويصورها في رواياته وإبداعاته وستظل تلك العلاقة مصدرًا للإلهام القصصي ومنهلاً للتراث عبر العصور.