بقلم / بومدين جلالي – الجزائر
كان الليل الذي يأتي قبل الليل، وكانت الأضواء غائبة حاضرة والجو مشحونا بتناقضات الجمال المتوحش والقبح المستأنس، وكانت الأقوام في ذهاب وإياب وصعود ونزول بين غيوم تعبث بها ريح عاتية ودخان تزيد من كثافته نيران في طور الاشتعال … في هذه اللحظة الغريبة جلست على قمة قلبي والتفت ذات اليمين وذات الشمال وموت الحياة يتغشاني والعرق المطري يتصبب صامتا في فضاءاتي المرئية واللامرئية … جلست جلوسا متحرجا مترجرجا فرأيت الأفق يختنق وامتدادات الأرض تضيق والجبال تتقلص وكل شيء يرتعد ويتشقق … كانت الأصنام والأرقام والأقلام والأغنام والألغام تتشابك وتتعارك حينا، ولما يتلطخ ما تبقى من زرقة السماء يالأحمر القاني تتعانق وتنوح معاً حينا … وجه الأرض اصفرَّ فوق السواد وغزاه القمل والضفادع والجراد، ثم حلّ الخريف دون خريف، وغاب الهواء والماء والرغيف، وتراكمت الأحجار والجثث فوق كل رصيف … ولما حاولت الفرار من جلستي القلبية التي قلبت كياني؛ صادفني طفل يمسح دمعه بمئزره ويرفع لوحته المدرسية التي كتب فيها : ” أنقذوها … أنقذونا قبل فوات الأوان “.