كيف الطريق إلى الله؟

received 330844911522644

بقلم / أحمد يوسف الحلواني
الباحث في الشريعة الإسلامية


من أهم الاسئلة التي يسعى إليها من نوى الفرار إلى الله تعالى ، كيف الطريق إلى الله ؟
وما هو أقصر طريق إلى الله؟ وما هو أضمن الطرق إلى الله سبحانه؟
ربما الجواب سوف يكون بسيط وصغير، لسؤال كبير جدا بل وفى غاية الأهمية ، فالطريق إلى الله تعالى والفرار إليه يكون بالتحقق .
نعم التحقق هو السبيل والطريق إلى الله تعالى ، والتحقق هو مُوافَقة الحق و لزوم الحق، في المُعتقَدات، في الأقوال، في الأفعال، في النيات وفى القصود.
فلماذا كان التحقق هو أقصر الطرق الى الله تعالى؟
ذلك لأن: اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ، لا يسوغ عليه ولا يروج عنده ولا يُقبَل عنده ولا يُرفَع إليه إلا الحق.
فمَن اعتقد الحق وقال بالحق وأراد الحق وقصده وأعطى الحق وأخذ الحق ولزم الحق ونافح عن الحق وعاش بالحق ، فهو في الطريق إلى الحق سبحانه وتعالى الذى خلق كل شيء بالحق، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ } ، { مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } ، خلق الأكوان، خلق العوالم، وضع دساتير وقوانين هذه العوالم، كله بالحق.
وفي عالم التشريع، فالشيء نفسه، {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ }، {أنزله بالحق}، وآيات كثيرة تُؤكِّد أن هذا الوحي هو حق ونزل بالحق.

والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير أبداً، فكُلُّ ما سِوى الله – عز وجل – يتغير، وهو سبحانه الذي يُغيِّر ولا يتغير؛ ولذلك أهل المعرفة يقولون: إن الله تعالى لا يتغير من أجلكم ، لكن يجب عليكم أنْ تتغيروا أنتم من أجل الله ، فيجب علينا أن نتغير في الطريق الى الحق سبحانه وتعالى فتكون قصودنا وأقوالنا وأفعالنا وعقائدنا مع ما ورد في كلمات الله وشرعه ، فحين تتوجه إلى الله بالدعاء، وترفع يديك تدعوه ، سل نفسك هذا السؤال: هل تدعوه بالحق؟ تقول يا الله وتدعوه. هل عرفت الله الذي تدعوه؟
هل تدعوه بالباطل على أُناس مُحِقين ، أم تدعو بالباطل أيضاً على أُناس ظلموك ، قد يظلمك شخص واحد فلا تدعو بالحق على شخص بل تدعو على بلده وعلى أهله وعلى العالم الذي معه كله بأن ينحرق ، هذا لأنه ظلمك ، فهذا ليس حق ولن يستجيب لك الله الحق ، الذى تُجدِّف بحقه، وتُنكِر وجوده – لا إله إلا هو -، وتتنقد وتُقدِّم بين يدي أمره ونهيه ، ويُعطيك فُرصة للتوبة ، ولا يحرقك ولا يُدمِّرك، وقال لك {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ }… قال لك أُمهِل ولا أُهمِل، أُمهِل وأُعطي فُرصة. وهم فعلوا أشياء فظيعة، قتلوا أنبياءه! {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }… كيف فتنوهم إذن؟ أحرقوهم في النار. أحرقوهم بالنار! خدوا لهم الأخاديد، قذفوهم في أخاديد تتلهب ناراً، هل هناك جريمة أكثر من هذا؟ و كان هناك كبار وصغار وعواجز وشيوخ وعجائز، حرقوا! أحرقوهم بالنار، بدون حق ، ماذا قال الله؟ {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا }… هذه الآية ستجعلك تتجمد هكذا وتتصنم، تقول ما هذه الرحمة ؟ ما هذا الإله الرحيم ، أحرقوا أولياءه بالنار، ويفتح لهم باب التوبة ؟ قال {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ }… أنت تزعم أنك تعرف هذا الإله وتدعوه، وتدعو على من ظلمك ،تدعوه لكي تُدمِّره، تُريد أن يُدمِّره الله وأن يُيتم أولاده وأن يُثكِل أمه وأن يُرمِّل امرأته وأن يحرق قبيلته وأن…وأن…. ما هذا؟ أنت إنسان وثني، أنت الآن تُلحِد بين يدي الله (الحق)، لأنك تُخاطِب الإله الوثن (النفس)، أنت الآن تعبد نفسك، ولا تعبد الله.
فالله سوف يقول لك أنا ما سمعتك ، ما استجبت لك ، لأنك ما دعوتني، أنت دعوت الوثن الذي أسميته وزعمت انه الله الحق .
أنت قد نصبتك نفسك حكما وحاكما وأيقنت أن هذا الذى ظلمك وذاك قد بخس حقك ،ألا تثق بأن الله سيقتص لك وإن لم تسمعه دعائك فهو الحق الذى لابغفل إذا غفلنا ، ولذلك كُن مع الحق، ودُر مع الحق، أعط الحق، وخُذ الحق، وقل بالحق، ونافح عن الحق، كن من حلفاء الحق، وفي جانب الحق – لا إله إلا هو -، كن مُتطابِقاً مع أمر الله، مع أمره ونهيه ، كن من الذين {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }
اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنّك. اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما جنينا به على أنفسنا وما أنت أعلم به منا برحمتك يا أرحم الراحمين.