من كان يتخيل أن يقوم الدب الروسي بجولة في المدن الإيطالية والأمريكية وعبر شاحنات عسكرية روسية ، الا أن المهمة لم تكن قتالية ولكن جاءت ضمن المساعدات الطبية التي قدمتها روسيا لأمريكا وإيطاليا في التصدي لجائحة فيروس كورونا ، ومن كان يتصور أن تقوم الصين لفزعة عدوها اللدود الولايات المتحدة الأمريكية حين عرضت عليها شحنات من الأدوات الطبية والكمامات وأجهزة التنفس والفحص الخاصة لوباء كورونا ، ومن لم يتفأجا بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة العاجل بإخراس البنادق لجميع الحروب والنزاعات في العالم ، ومن لم يسعد بدعوات الرئيس بوتين وترامب وبعض رؤساء الدول العظمى قبل أيام بضرورة التباحث لوقف الحروب في العالم إن كانوا فعلا صادقين فيما دعوا إليه ، ومن كان يتخيل أن تتوقف بيانات وزراء الدفاع للدول المهيمنة على العالم خلال الثلاث الاشهر المنصرمة ، وليحل محلها البيانات والتصريحات اليومية لوزراء الصحة لتلك الدول داعين العالم للوحدة والتعاون لمقاومة فيروس الكرة الأرضية ومساعدة الدول والمجتمعات الفقيرة من شر هذا الوباء. في الحقيقة المقدمة السابقة هي لعرض قراءة مفادها أن هذا الوباء رغم السلبيات التي أوجدها في الإصابات والوفيات الكبيرة ، مرورا بالانهيار الاقتصادي وتوقف مختلف الانشطة في المجتمعات العالمية وما صاحبها من أزمات كبيرة على مختلف الدول ، إلا أنه أوقظ الضمير الانساني والعالمي في كثير من القضايا التي كان بالإمكان تفاديها دون الحاجة لهذا الكابوس المؤلم ، ويمكن أن نطلق عليها تداعيات إيجابية في الجوانب السياسية والاقتصادية والتجارية والإنسانية في علاقات الدول والبشرية ، نعم كان بالإمكان أن تحل مشاكل النزاعات والحروب والتفكير بالحياة السعيدة لكل إنسان على هذه المستديرة ورفع الظلم دون أن يجبرنا وباء أو كارثة لاتخاذ مثل هذا القرار ، كان بالإمكان أن يكون هناك تعاون مشترك بين الدول في مختلف المجالات العلمية والطبية والبحثية ، لا أن تجبر بعض الدول التي بينها عدوات وصراعات بقبول المساعدات الطبية والوقائية كما نراه الان في المشهد العالمي ، كان بالإمكان أن تهتم الدول قبل وقوع هذه الأزمة بمعالجة حقوق الإنسان والقضاء على الفقر وتخليص البلدان الفقيرة من الامراض والأوبئة ، وهو ما أجبر منظمة الأمم المتحدة في هذا الوباء من إطلاق حملات ومبادرات في هذا الخصوص ، مع العلم أن الأمم المتحدة كان لديها تقرير دولي عام 2019 يقول أن 75 مليون طفل أصيبوا بالتقزم ، وأن 17 مليون أصيبوا بالهزال وذلك بسبب أزمة الجوع فلماذا لم تعلن هذه المنظمة حالة الطوارئ ، ومن الناحية الاقتصادية والتجارية كان بالإمكان أن تكون هناك مبادرات نحو التعاون المشترك بين الدول فيما بينها ، بما يتوافق مع تحقيق العدالة والاستفادة للجميع دون أن يكون هناك قطب واحد مستحوذ على كل المشاريع والثروات ، وهو ما نشاهده الان بعد تفشي الجائحة الذي أرغم الكثيرين من تشجيع للتبادل التجاري والاستيراد المباشر الذي سمحت فيه بعض الدول ، هناك أمثلة كثيرة على المستوى العالمي من الناحية الإيجابية لا يسمح الوقت لذكرها أوجدها فيروس كورونا ، كان ينبغي أن تكون موجودة في حياة البشرية ومن ضمن أسلوب العلاقات الدولية لكي يهنا الجميع بالأمان والاستقرار في مختلف الجوانب دون أن نرى هذه الصراعات الموجودة التي عصفت بالعالم. أما على المستوى المحلي فالأمر شبيه لما أحدثه فيروس كورونا على المستوى العالمي من تغيرات إيجابية في بعض القضايا ، لقد أوقضنا كورونا للاهتمام بالأمن الغذائي والتركيز على الثروة الزراعية والحيوانية التي تتميز بها مصر ، لقد فتح لنا الاستيراد المباشر من بلد المنشأ بوتيرة أسرع وأوسع مما كان عليه في السابق ، نبهنا كذلك بالسير على خطى الحكومة الإلكترونية وتطويرها لما يتوافق مع متطلبات الوضع الراهن للثورة الصناعية الرابعة ، براءة وتشجيع الابتكار فتح للمبدعين على هذه الأرض الطيبة لإخراج ما لديهم من مواهب وأفكار ساعدت في معالجة بعض الاحتياجات المحلية ، الاهتمام بالصحة الفردية لكل شخص زادت من وعي الأفراد في المحافظة على صحتهم في ظل انتشار هذا الفيروس، نقاط كثيرة خرج بها الوطن من تجربة هذا الوباء ستكون بعون الله هي خارطة الطريق في المرحلة القادمة ورب ضارة نافعة ، ولذلك يقول سبحانه وتعالى في الآية الكريمة :-{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم .. دروس كثيرة مستفادة من جائحة كرونا على المستوى المحلي والعالمي ، ستعمل على وجود تغيرات كثيرة سواء على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتجاري في مختلف بلدان العالم ، فهل استفاق العالم مما كان عليه في السابق.. د. عمرو غنيم خبير علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية