بقلم د/ظريف حسين
رئيس قسم الفلسفة بأداب الزقازيق
من الناحية التاريخية لم تتوحد السياسة مع الدين إلا في شخص و احد و هو الرسول(ص)،و ذلك فقط لأنه كان تجسيدا للوحي الإلهي.و لكن ما إن أصبح جسده مسجي في صحن داره، حتي تركه أصحابه المقربون لابن عمه علِيّ بن طالب يجهز يجهز جنازته. و كانت هذه اللحظة التاريخية أول إيذان بانفصال الدين عن السياسة و من ثم التحول إلي السياسة الخالصة في نهاية المطاف علي أيدي الأمويين و من بعدهم. و كانت البداية من فكرة اقتسام السلطة بين المهاجرين و الأنصار، ثم الإخفاق المأساوي من عثمان بن عفان في التوفيق بين ما هو “ديني” مجسدا في صفته”ذا النوريْن” و ما هو “سياسي”،أي بصفته قيِّما علي مصالح بني قرابته من بني هاشم،ثم تجلي هذا الانفصال بصورة أبرز في “موقعة الجمل”بمواجهة حربية بين عائشة أم المؤمنين و أول صبي دخل الإسلام عليَّ-كرم الله وجهه- بجيش كانت هي علي رأسه،و أخيرا مقتل عليّٕ و ابنيه – بعد التنكيل بهما من الخصوم -و التحوُّل الكامل نحو المَلَكية طوال تاريخ الدولتين الأموية و العباسية و امتداده في الأندلس و ملوك الطوائف …إلخ،و انتهاء بالحكم العثماني و سقوط الخلافة التركية بلا رجعة. و الآن ما عاد لمدعٍ أن يقول إنه يحكم بما أنزل الله إلا إن كانت غايته هي أن يجعل للسياسة اليد العليا في حكمه! و تبقي المشكلة هي في التناقض بداخل الإنسان بين ما يريده هو و ما يظن أن الله يريده،أو ما يوهم به غيره،و حتي لو افترضنا حسن النية،فإنه يظل من الصعب في الواقع تعيين الحد الفاصل بين هاتين الإرادتين،فما بالنا في حالة الزعم بالقدرة علي الجمع بين الجانبين،و لن يكون ذلك أبدا إلا بضمان “الوحي” كما أوردْت ُسابقا. فلم يبقَ لنا الآن سوي الاجتهاد في الأمر ما استطعنا،بلا زعم منا بأننا الأكثر تقوي و قربا إلي الله من غيرنا و بأننا وحدَنا المندوبون دون سوانا للعمل علي تحقيق مملكته علي الأرض!