بقلم د . ناجح ابراهيم
داعية ومفكر إسلامى
أوربي الملامح,جميل الطلعة,أزرق العينين,هادئ النفس,توفيت زوجته ورفيقة عمره وكفاحه التي بدأت معه أولي سنوات كفاحه وعطاؤه
,فلم يستطيع العيش بعدها ولا الحياة دونها فآثر اللحاق بها,فمرض قليلاً ثم وافته المنية ليفجعنا ويفجع أمثالنا ممن أسدى إليهم المعروف الكبير.
توفي الحاج/عبد السلام النونو أطهر وأنظف مقاول في الإسكندرية وصاحب الأيادي البيضاء علي الكثيرين في سكناهم,فلم أر إنساناً ييسر علي الآخرين مثله ويقسط لهم مثله ويتجاوز عن معسرهم مثله.
ولولا كرم وإحسان الحاج عبد السلام النونو ما استطاع مثلي في بداية حياته العملية أن يسكن في شقة تليق بأسرته,فقد قسط لي مبالغ من ثمن الشقة لعشر سنوات كاملة,لم يسألني في عام من الأعوام عن قسط العام,لولا أنني أذهب لدفعة,كنت أشعر بفضله عليَّ كلما دخلت شقتي.
والحقيقة أنني لم أر في حياتي مثله,فقد أزال الاسانسيرات القديمة من العمارة وأبدلها بأخرى أفضل وأحدث وأوسع علي حسابه الخاص ولم يطلب من السكان مليماً واحداً.
وهو من القلائل الذين لا يغشون في أي خامة من خامات البناء,فقد جاء يوماً من أيام الشتاء فوجد حديد التسليح عليه صداً معتاد من المطر الذي يغمر الإسكندرية في الشتاء ومعتاد لدي المقاولين فقال لمعاونيه ومهندسيه ما هذا؟قالوا له:عادي ولا يوثر في الحديد لأنه منذ عدة أيام فقط,فأصر علي استبداله بآخر جديد لم تمسه المياه.
لقد بني الرجل تسعة مساجد كبرى لو باع أي منها لمول تجاري لوصل ثمنها لعشرين مليوناً.
كان يدعو لإفطار سنوي في العشر الأواخر من شهر رمضان بأجود الأطعمة لكل من يأتي المسجد في هذا اليوم مهما بلغ عددهم,وكان يحج كل عام,ويعتمر مرات في العام.
الحاج عبد السلام النونو كان رمزاً من رموز الكرم وعندما تقاعد عن العمل في المقاولات منذ عشر سنوات ظل يحسن إلي كل من كان يعمل به ممن انقطعت بهم السبل أو جار عليهم الزمان أو لم يجدوا عملاً آخر يتكسبون به,والحقيقة أنني لم أر أحداً في الحياة يفعل ذلك.
هذا الرجل سيكون من النادر أن يجد الواحد منا نظيراً له,كان دائم الصمت,لا يكاد يتكلم إلا قليلاً,يستيقظ قبل الفجر وينام بعد العشاء مباشرة.
بدأ من الصفر,لم يكن يعرف الكلل ولا الملل,اختار سكان عماراته,رفض كل ذوي الأخلاق السيئة مهما بالغوا في دفع أثمان الشقق,يحكي أنه عرض عليه بعض المعروفين بلعب القمار شراء شقتين منه بمبلغ أكبر فرفض بشدة.
أفضل ما فعله في عماراته نوعية السكان الذين اختارهم,كلهم أدب وخلق وذوق ورقي إنساني ومعيشي.
كان لا يمن علي أحد بصنيعه,كثير العمل قليل الكلام,كل شيء في حياته منظم ومرتب.
ابنته د/هبة النونو إخصائية العلاج الطبيعي تسلك مسلكه فقد أرسلت إليها بعض المرضي الفقراء فلم تأخذ منهم أجراً.
خالص العزاء لنا جميعاً في فقدان هذا الرجل النبيل الكريم,وخالص العزاء لأسرته ومحبيه وكل من تعامل معه.
أكبر لحظة حزن أن يموت من أسدى أليك معروفاً قبل أن تكافئه أو ترد له معروفه,وقد رددت للكثيرين معروفهم ولكن بقي الكثيرون أيضاً لم أستطع رد معروفهم حتى اليوم منهم المرحوم عبد السلام النونو.
رحمه الله رحمة واسعة.