20 مارس 2020 ….. إمضاء : أ . د . بومدين جلالي – الجزائر
في يوم الأم عند العَرب، المصادف لأول أيام الربيع؛ إلى أمِّي … وإلى جميع الأمّهات: السلام عليكنّ يوم وُلِدتنّ، والسلام عليكن يوم وَلَدتمونا، والسلام عليكن بالأمس واليوم والغد، في كل أحوالكن … لا يكفيكنّ التكريم، ولا تكفيكن جميع تيجان المحبة الأبدية التي تتسع ولا تضيق، وتزيد ولا تنقص، مادامت الأمومة والبنوة متلامزتين في واقع الأرض وغيب السماء … كنتنّ في قلوب أسلافنا ولو لمدة عابرة وستبقَينَ في قلوبنا بصفة خالدة حتى لو فرضتْ علينا أحيانا مصاعبُ الحياة ومصائبُها بعض الفراغات المؤقتة أو بعض التناسي الذي لا يقف طويلا أمام جاذبية الأمومة ودفْءِ عاطفتها المنماز عن كل دفء، بغير استثناء يذكر … مررْنا – سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر – ونحن في بطونكنّ بحب عظيم جعل ضيق الرحم اتساعاً لا حدود له، كما جعلنا نستمتع بدقات قلوبنا الأولى وأرواحنا الآتية من عالم الغيب تتعانق بلطف مع أجسادنا الناشئة التي ما كانت تعي وجودها في عالم الشهادة بعد، كما جعل مختلف حواسنا وهي في بدء تأسيسها تتلمّس وتتحسّس ما يأتيها من محبة وحنان من خارج حيِّزنا الداخلي مُعبِّرَيْن عن دفء مستمر واهتمام متواصل وإشارات صوتية حركية عاطفية ودية تشكِّل الألحان الطبيعية الأولى لأنشودة حميمية منمازة عن كل الحميميات بخلودها الثابت وامتداداتها اللامتناهية وفعلها الرائع في صناعة الوجود المكرّم في الحياة الفانية والحياة الباقية بوصل روحي لا فصل فيه ولا شك ولا فناء يهدد إحدى تجلياته التي لا تحصى ولا تعد … وحين الولادة ونحن نودِّع رحاب أرحامكنّ المقدسة اللذيذة لقد استطعتن برغبة لا نظير لها أن تحوِّلنَ أوجاعكن إلى فرح فارهٍ وآلامكنّ إلى حبور مطلق ومعاناتكن إلى سعادة ما فوقها من سعادة … يا لَطاقة الأمومة وعزمها وقوتها وقدرتها على تحويل الدمعة إلى بسمة والأنين إلى حنين !!! ولما عانقنا صدوركنّ للرضاع سالتِ الأثداءُ بالحياة، وفاضتِ القلوب بحب الحياة، وتحركت الأيادي بلطف لإزالة أدران الحياة، وفكَّر العقل بعمق وصدق لإعطاء معنى عميق صادق للحياة … ثم ترعْرعْنا وكبرنا حتى بلغ بعضنا من الكبر عتِياً وما تضعْضعتِ الأمومة فيكنّ وأنتنّ تُقدِّمْنَ ما استطعتن إليه سبيلاً … ولهذا السبب أو ذاك؛ بعضكن وُفِّقن توفيقا كاملا وبعضكن وفقن توفيقا نسبيا، وما قلّل هذا الاختلاف في التوفيق من كونكنّ – دونما استثناء عبر تاريخ الأمومة الطويل الطويل الطويل – عشتُنّ أمهاتٍ ورفعتن سقف الحب عاليا جدا جدا في رحلة محبة لا تتأثر بحوادث الزمان ولا تندثر منها بلْ تتقوّى وتستمر وتصنع من انكساراتها انتصاراتٍ متعاقبةً متجددة متصاعدة من غير ملل ولا كلل ولا هزيمة أمام بعض المؤقتات من الإنكار والإدبار في مسارات تعاقب الليل بالنهار … وظلت وستظل تلك المحبة المليئة بالأشواق التي تحرك الهمسات واللمسات والوسْوسات والأحداقَ حاضرةً فيكن حضور الشمس والأقمار في مختلف أعماركن الغالية علينا – من شبابكن إلى كهولتكن إلى شيخوختكن – وأنتن حبيباتنا اللائي تربّعن على قمة عرش الحب، وأنتن رفيقاتنا في السراء والضراء كيفما كانت المسافات بيننا وكيفما كانت اللحظات وأيامها في الصيف والشتاء كما في الربيع والخريف … عظَمَةٌ أنْتِ يا أمي في كل أزمنتك الوجودية وما بعد الوجودية … عظَمة أنتن يا أيتها الأمهات بمختلف أعماركن وألوانكن وعقائدكن وخصوصياتكن في كل أزمنتكن الوجودية وما بعد الوجودية … وأنا أفكر فيك يا أمي وأفكر في الأمهات كلهن من خلالك؛ تقاطع طريقي بطرق عددٍ معتبر من أناس ينتمون لألوان وجنسيات ولغات وثقافات وحضارات وأعمار وفئات مختلفة مختلفة مختلفة اختلافا يكاد أن يصل إلى درجة التناقض أحيانا، فقلت في نفسي : ماذا لو حاورتهم في معنى الأم الذي لا أراه إلا الحياة في أجمل صورها … فسألت طفلا وطفلة : – ما تعني الأم عندكما ؟ فقالا : هي الحياة في أجمل صورها … وسألت شابا وشابة : – ما تعني الأم عندكما ؟ فقالا : هي الحياة في أجمل صورها … وسألت كهلا وكهلة : – ما تعني الأم عندكما ؟ فقالا : هي الحياة في أجمل صورها … وسألت شيخا وشيخة : – ما تعني الأم عندكما ؟ فقالا : هي الحياة في أجمل صورها … وبعد دهْرٍ من السؤال نفسه والإجابة نفسها، في أصقاع متعددة، وعند كل ألوان الطيف البشري؛ كتبْتُ في سجلِّ القلوب مؤكدا : – الأم هي الحياة في أجمل صورها … – الأم هي الحياة في أجمل صورها … – الأم هي الحياة في أجمل صورها … وهذه الحياة في صيغتها الأجْمل تستحقّ مني ومن غيري الاعتراف الدائم بها والتفضيل العظيم لها، بمحبة وصدق ومسؤولية، من غير أفٍّ ولا ما يشبه الأفَّ كما أمرنا ربُّنا وجسّدته قيمُنا الإنسانية في كل محطات الصفاء الإنساني السليم.