الإنسان الفرد، ما بين التراث والتجديد

83280489 2592177337546299 8329375521905311744 n

بقلم :مصطفى محمد

على هامش قراءتي لمقال بصفحة أستاذنا الجليل الدكتور كرم عباس، استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة – والذي شرفت بتتلمذي على يديه –

  أوضح فيه بعضاً من مشكلات واقعنا المأزوم، وبأسلوبه السهل الممتنع.. أوضح الدكتور كرم جوانب المسالة الإيمانية، وكيف أنها تنطوي على عناصر  غير عقلانية، لا بوصفها مضادة للعقل أو نافية له، بل بوصفها خارج نطاق مبادئ العقل أو مقولاته، ومن ثم: نفذ إلى عبثية النقد العقلي للدين كلياً

ثم يضعنا بعد ذلك في مواجهة مع العقل ذاته باعتباره المسؤول عن (الفهم الآني) للدين وذلك عن طريق التأصيل والتفسير والتأويل… إلخ

وعلى ذلك يقترح دكتور كرم رؤية مختلفة لفعل التنوير، حيث يبدأ من قاعدة الهرم وهو الإنسان/الفرد، لا من قمة الهرم (المثقفين والنخب)

وذلك بأن يعي الإنسان ذاته وأن يحقق إنسانيته أولاً، وحينها سوف يتقبل الآخر بكل تنوعاته، بل وسوف يتقبل ذاته.

 فالمشكلة ليست أبدا في تلبية نداء الحداثة والتجديد والإستنارة كاستجابة لمقتضيات الواقع،

بقدر ما هي مشكلة تنمية وعي وفكر الإنسان محل التنوير وهدفه وغايته التي إليها يسعى وبها يتحقق.

إن الإنطلاق من الإنسان كنقطة بداية وجعله هو بذاته من يجدد عقله أولاً ومن ثم ينطلق بذاته كجزء من كل، في إتجاه تجاوز محنة التعلق بالماضي البعيد، الذي يتم النظر إليه نظرة كلية خاطئة على أنه كله (هو الدين) أو تمثلات له، حتى إن كان هذا الماضي محض فاعلية بشرية إرتبطت بالدين لكنها ليست دين بذاتها، بل هي إستجابة (إنسانية) للدين، تخص واقعها ويحكم عليها في إطار سياقها زمانيا بما للزمان من تغير وصيرورة، ومكانيا بما للمكان من إختلافات تفرض واقعاً إجتماعياً وثقافياً وبيئيا متمايزا ومصبوغا بصبغة عصره.

أكيد أن الجميع يرغب في تحسين واقعه -أو على الأقل هذا ما يفترض أن يكون-  إذ لا يمكن تخيل مجتمع ما أو ثقافة ما همها الشاغل هو خلق واقع صعب،

 أو أن ترسخ  لعيش حياة معقدة وغير مريحة، وأعتقد أن المشكلة تكمن في إختلاف الرؤى تجاه فكرة إصلاح الواقع والمنهجية المتبعة في ذلك، مع  إفتراض توافر حسن النوايا من طرفي النزاع القديم / الحديث أمام السؤال الجدلي : من أين نبدأ؟

وسؤال ( نحو الأصالة أم نحو المعاصرة؟)

ربما لا يكون إصلاح الواقع في العالم الإسلامي بإجترار الماضي والرجوع إلى أفكار السيطرة والفتوحات أو الغزو العسكري ومحاولة إحياء فكرة الخلافة وبعثها من مرقدها، وذلك كما يرى الحداثيون أو التنويريون

لكن كذلك.. فإن إصلاح الواقع لا يكون بفعل القطيعة التامة مع التراث  طمعا في خلق (حداثة) مزيفة تسير على قدم واحدة

تلك الحداثة التي يراها الحداثيون أو بعض الإتجاهات التنويرية التي تخوض صراعاً  لبتر الماضي ونفيه تماماً كوسيلة وحيدة للنهضة والتحديث.

الأمر ببساطة: إن لكل مجتمع خصوصيته وليس بالضرورة أن يكون ما صلح به أمر الناس في هولندا أو فرنسا أو الصين هو ما يصلح به أمر الناس في مصر أو المغرب أو باكستان مثلاً

ونخلص إلى أن: الإنسان هو الأساس، وبدون النظر الى وحدة بناء المجتمع، وهي الإنسان ذاته وبدون تحفيزه وتحقيق فاعليته، فإن ما نفعله ليس سوى (طحن هواء)   وتورط مستغرق في معارك صفرية لا رابح فيها، لنجد أنفسنا في النهاية أمام انتصارات وهمية لا تحقق مكسباً حقيقياً على الأرض، بل يتحول الأمر الى معكسرات مغلقة وقبائل متفرقة، كل قبيلة تصفق لرئيسها إذا ما ظنت أنه حقق انتصارا ما، أما إذا ما أردنا الحقيقة مزدانة بالموضوعية والإخلاص فإن الجميع خاسر لا محالة.

وإلا.. فإننا لن نبرح واقعنا والذي نرى فيه المجتمع وقد تحول الى قطاعات متناحرة، وإلى جماعات كل جماعة تعيش في جزيرتها المنعزلة متبنية فقط أفكارها النسقية دون النظر إلى الغاية الأساسية وهي سؤال الإنسان/ الإنسانية