الإنسان بين الخلق و التطور

93373812 4111647922211151 3370400157320347648 o

بقلم/ الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بأداب الزقازيق

بدأ خلق الإنسان من طين، وهذه حقيقة علمية لا ريب فيها،و الجدل كله يدور حول الأسباب التي أدت إلي ظهور الإنسان بهذه الصورة، و هل هذه مسألة طبيعية آلية أم بتدخل من الله،و لماذا كان يجب أن يمر بمراحل طويلة للوصول إلي ما هو عليه الآن لو كان الله هو الذي خلقه،فقدرة الله المطلقة ليست في حاجة إلي زمان لإنجاز الأشياء،بناء علي الآية:”إنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون”.
و القرآن نفسه لم يشرح هذه المراحل التي مر بها خلق الإنسان لعدم أهمية سردها و لكنه أشار إليها في سورة الإنسان:”هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا”.أي أن الإنسان بوضعه الحالي لم تكن له أهمية تذكر بين الأشياء الأخري.
و في آية أخري:”ما لكم لا ترجون لله وقارا و قد خلقكم أطوارا”.أي علي مراحل سواء أكانت جماعية في الكون أم فردية في بطن الأم.
و حل الخلاف يتوقف علي الواقع الفعلي لتطور الإنسان الفرد بوصفه جنينا في رحم أمه،و يستمر السؤال السابق كما هو:لماذا خلق الله الإنسان في بطن أمه علي مراحل و كان يمكنه أن يخرجه رجلا يافعا في لمحة واحدة؟
إذن فكما أن الإنسان لا يولد إلا بانقضاء مدة الحمل،فإنه قد ظهر علي صورته الحالية يمشي قائما علي قدمين رأسيا،عاقلا ناطقا…و ذلك ليس دفعة واحدة بل بعد انقضاء عدة عصور جيولوجية في مليارات السنين بغرض أن يتعلم بنفسه كيف يستمر في الحياة و يتكيف مع تحدياتها،و يصبح جزءا منها و تصبح هي جزءا منه.
و بذلك يتوقف التطور الشكلي أو المظهري للإنسان في تفاصيل بنائه العضوي و يستمر تطوره و تطويره لنفسه عقليا و اجتماعيا و روحيا…أي أن التطور أصبح داخليا في قلب الإنسان و إدراكه بدلا من أن يستمر تطوره أفقيا خارجيا.
و بذلك يعد كل مقاوم للتطور مقاوما لإرادة الله في الكون،أي أن يصبح الإنسان خليفة الله في الأرض بحكمته و صلاحه و قدرته علي التكيف مع كل جديد.
و إذا أراد المتدينون أن يتأكدوا من تطوير الله للإنسان الحالي فليرجعوا إلي الآية:”يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك”.
و الآن فلا حجة لأصحاب العقائد الدينية في الرعب من فكرة التطور نفسها، برغم أنني شخصيا ضد النظرية الآلية التي طرحها دارون،و لكن يجب ألا نستنكر الفكرة لخوفنا من هذه النظرية التي لا تكفي لتفسير معني غريزة الحياة!