البيتُ العنكبوت

FB IMG 1598971972912

بقلم الأديب:أحمد عفيفى

ثارت أمه -آنذاك- حين أسرَّ إليها برغبته فى الزواج من -سميحه-
كانت حُجتها فارق السنوات الثلاث التى تكبره بها,وفقرها
غير أن المعضلة لم تك رغبة أمه وكيفية ارضائها,بل كانت راتبه الزهيد- بعد تسريحه من الجيش واستلام عمله, كانت حالته المادية لا تتميز كثيراً عن حال سميحه
*كان يرقبها نشواناً وهى تتهادى برشاقة -فطرية-, كانت أنحف من ظلها..وكانت مليحة وعفوية, لم يشغلها:إفتتاح المدينة الحرة والشغف بالذهاب إليها كالأُخريات, وكان حين يلقاها خارج الحارة, يسلكا طريقا هادئا وكالعادة ينصت لحديث عينيها الصامت متأمًلاً وجهها الطفولى الحميل, يراه كوجه قديسة هجرت الدير لاستقبال فارسها الذى سينتشلها من أعوامها الثلاثين الفائتة
*سنواتُ ثلاثُ مرًت, وكأن فيروساً محا ذاكرتة, عدا حيزٍ فيها ليس به سوى صورة سميحة وصور بعض أشباهه العائدين من جبهة القتال,
كان إبّان المعارك الليلية بين الدوىّ والزئير والصمت, يستجلب صورة-سميحة- ببرائتها وبسمتها الساحرة, ليمسك بخصلات شعرها المتدلى حتى قرب ردفيها, ويروى ظمأه من بئر عينيها العسليتين, ويسكر من صوتها الخافت الحنون(مباركة سميحة بين النساء, كم تمنى أن يمنحها ما تبقى من عمره, لتمنحه الحياة التى أُخذت منه أكثر مما أعطت..وكان أجدى بها أن تترك له سميحة التى زُفّت عن طريق الخطأ الى -مسعود- الخردواتى)

  • ثم مرت ثلاثون من السنين العضال , أنشأ خلالها بيتاً أشبه ببيت العنكبوت كلما تجول بأرجائه, إستبشعُ الوحشة, والأغلال الجارحة, يتبرّم, ويتأوّه داخله, ويغيب, فتفيقه صفعة مباغتة من حفيده, الذى يقف بعدها صامتا مترقبا يمنى النفس أن يكون جده فى حالٍ يسمح بالغفران
    *ها هو يدفئُ بالذكريات ليله ووحشته وأصابعه التى لم تزل محشوّة بلغته الحزينة, يتساءل:هل مازالت تذكره -سميحة- التى لم تزل تتهادى رشيقةً متألقةً فى مشيتها, تومئ له باسمة كلما تقابلا صدفة بالطريق, وكأنها تخبره أنها لم تزل فخورة بنفسها وأن العزاء له,وليس له سوى أن يعود الى بيته -العنكبوت-الذى يُغشًى الضجر جدرانه وحجراته, والذى يوحى له أنه شاخ , وأن عليه أن ينسى أو يتناسى-سميحة- التى من أجلها حارب, وانتصر, وانهزم..
    *وحده إذن, وسيظل, يُفتًش حجرته بين الفينة والأخرى ليطمئن أن ليس بها دخلاء يختبئون ليقُضًون هدوءه,وحده, وموقده الصغير, وإبريق قهوته, ومرآته التى يسكنها قرينه الذى ينادمه,ويشكو له أوجاعه, وشُحّ مائه, يمنحه سرّه, ثم يرفع له فنجانه ليشربا سويا نخب وحشته, حتى يجئ الصباح, فيستنشق هواءه, وينفِّض ذاكرته من الذين علقوا بها عدا -سميحة-..ستظل ذاكرته وعاءً لها, وعاءً مفعماً بالحنين والأسى@

من مجموعتى =طقوسٌ صارمة=