التعليم والتنمية الاقتصادية

5dc91751 3645 43a3 a3bb dbdaf9b3ba40

د. إيمان عبدالوارث..
أستاذ المناهج وطرق التدريس، كلية البنات، جامعة عين شمس..
إن الثورة العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العصر الراهن، وما تبعها من تحولات عميقة في شتي ميادين الحياة الإنسانية أبرزها التحول من إقتصاد الآلة إلى الإقتصاد القائم على المعرفة، فرضت على دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء ضرورة التوجه للإستثمار في بناء رأس المال البشري وذلك من خلال إعادة صياغة نظم التعليم والتدريب ضمن مفاهيم ومبادئ الإقتصاد المعرفي، لتكون قادرة على بناء عقول على درجة عالية من الفاعلية وسواعد قادرة على بناء مجتمع المعرفة والمشاركة في مختلف محاور التنمية.
فالمنافسة في القرن الحادي والعشرين لن تكون بإكساب الناشئة كميات هائلة من الحقائق والمعلومات وإنما تكون بإكسابهم أساليب وأدوات صناعة المعرفة وإعادة تشكيلها والريادة والمبادرة والتجديد والإبتكار في إنتاج الأفكار للتغلب على المشكلات والمشاركة في بناء مجتمعهم بشكل شامل ومتكامل وبأسلوب تنموي مستدام.
ومن التوجهات العالمية التي إزدادت أهميتها في ظل التحولات المعاصرة التي يعيشها عالم اليوم بكل أشكالها وأنماطها العلمية والثقافية والفكرية والتكنولوجية، الاهتمام بريادة الأعمال وترسيخ ثقافتها في المجتمعات فقد شهد العالم مع أواخر الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة نقله نوعيه في مجال المبادرة وخلق فرص العمل ضمن معطيات إقتصاد المعرفة والعولمة، والذي يثمن القيمة الناتجة عن التجديد والإبتكار اللذين أساسهما المعرفة، وزادت أهمية المقدرة التنافسية ليس فقط على مستوي الدول بل أيضاً على المستوي الفردي واشتد التوجه نحو معطيات الجدوى والجودة وصارت فرص العمل سريعة التبدل وتغيرت علاقات العمل ودخل متغير العمل عن بعد والعمل المؤقت وأصبحت الحاجة أكثر إلحاحاً لثقافة متطورة تستجيب لكل هذه المعطيات وتلغي احتمال إتساع الفجوة الثقافية بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون في ظل هذا الإقتصاد العالمي، يتم تأسيسها في مكونات النظام التعليمي وأساليب التنشئة الإجتماعية ووسائط الإعلام، فلا يمكن للقوانين وحدها ولا للتمويل وحده أن يشجع الناس على الريادة وإيجاد فرص عمل ما لم يكن هناك ثقافة داعمة لريادة الأعمال وراعية لها، هذا فضلا عن أن متطلبات هذا العصر تفرض مرجعية جوهرية للمعطي الثقافي وللخطاب الإجتماعي في مؤسسات الأسرة والتعليم والخطاب الديني والإعلامي يتم من خلالها إعادة هيكلة وإصلاح هذه المعطيات لتكون داعمة للريادة الإقتصادية والشراكة المجتمعية والتمكين والتنمية الحقيقية والمستدامة في اتجاه توسيع الخيارات أمام الإنسان لحياة مديدة وصحية وفرص علم وعمل ومستوي معيشي لائق ومحترم ومفهوم إيجابي للذات ودرجة عالية وإيجابية من مستوي الطموح.
وكنتيجة طبيعية لتزايد الإتجاه إلى ريادة الأعمال ظهر ما يسمي بالتعليم للريادة أو التعليم الريادي والذي أضحي إحدى الإستراتيجيات الفعالة للتعامل مع الضغوط الديموغرافية وتخفيض معدلات البطالة بين الشباب حيث يوفرهذا التعليم المعارف والمهارات التي تمكن هؤلاء الشباب من مواجهه التحديات الاقتصادية والاجتماعية بجانب تأهيلهم لخلق فرص وظيفية لأنفسهم وعمل مشروعات رياديه تساهم في تحقيق دخل مناسب لهم وتخفيف حدة الفقر وإيجاد مستوى معيشي لائق ومستدام، حيث يهدف تعليم ريادة الأعمال إلى تطوير عقلية متعددة التخصصات ومجموعة من المهارات للتعرف إلى الفرص وإيجاد الحلول للمشاكل وليس فقط تأسس وإدارة المشاريع وهذا هو ما أكدتهالمفوضية الأوروبيةEuropean Commission في تقريرها الصادر عام (2012) من أن النظرة الضيقة للريادة والتي تدور حول إعداد المتعلمين لعالم الأعمال قد تضع قيوداً على المتعلمين والمعلمين والأولي أن يتم النظر إلى الريادة في التعليم كعملية شاملة يتم من خلالها إكتساب المتعلمين مجموعة واسعة من الكفايات لتحقيق قدراً أكبر من الفوائد الشخصية والإجتماعية والإقتصادية حيث أن الكفايات المكتسبة تصبح صالحة للتطبيق في كافة مناحي الحياة.
انطلاقاً مما سبق، أصبح العمل على نشر فكر وثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر بين الناشئة في مختلف مجالات التعليم ومراحله مطلباً مهماً وبعداً جديداً فرضته المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في إطار سعي الدول وطموحات الشعوب لامتلاك مقومات التنمية المستدامة القائمة على الاستقرار والأمن الاقتصادي والنمو والازدهار، وتطويرها لضمان استمرارها وفعاليتها في ضوء المنافسة والمتغيرات العالمية المعاصرة ،حيث تنطلق ثقافة ريادة الأعمال من حقيقة تمكين الإنسان من أن يكون فاعلاً ومعتمداً على نفسه وشريكاً حقيقياً في النشاط الإقتصادي وفي خلق فرص العمل بدلاً من البحث عنها، ويتطلب ذلك تعزيز وتشجيع الروح الريادية من خلال تحرير مواهب وخيال وإبداع الشباب كقادة للتغيير فالثقافة الريادية ترتكز على توليد الأفكار والتأمل والإبتكار وإطلاق العنان للإبداع المتحرر من النمطية والتفكير المؤطر والتدرج المنطقي الرتيب، وتحفيزهم وتشجيعهم على ممارسة ريادة الأعمال عبر تعلم مبادئ ريادة الأعمال، والتفكير الريادي، والسلوكيات والاتجاهات الريادية، ومن ثم فإن تبني ريادة الأعمال في المجتمعات وترسيخ ثقافتها التي ترتكز على أسس الإبداع والابتكار يتطلب تأهيل الشباب بالمعارف والمهارات والقدرات والقيم التي تؤهلهم لأن يكونوا روادا.
ويمثل التعليم والتدريب محوراً أساسياً لتنمية ريادة الأعمال وتطوير المهارات والسمات العامة لها، بل لانكون مغالين إذا قلنا أن مقدار التفوق الريادي في أي مجتمع يتحدد بمدى تعرض الشباب لأنشطة وبرامج تعليمية عن الريادة ،ومن ثم وفي ضوء المسئولية الإجتماعية للمؤسسات التعليمية، وإنطلاقاً من أن المفتاح الحقيقي لعالم ريادة الأعمال هو التعليم، كان لزاماً على تلك المؤسسات عامة أن تتفاعل مع المجتمع في إعادة التفكير وتطوير النظم والبرامج والأنشطة لتصبح ريادة الأعمال ثقافة فردية ومؤسسية ومجتمعية فاعلة، وذلك من خلال وضع معايير ومؤشرات أداء وآليات واضحة لذلك ومنها تطوير المناهج بتضمينها فكر ريادة الأعمال وإيجاد بيئة مناسبة للشباب لتعلم وإكتساب مهارات ريادة الأعمال وإعدادهم للمستقبل وخلق جيل من شباب رواد الأعمال يؤمن بفكر الريادة والعمل الخاص، شباب قادر على التكيف والتطوير والتجديد والإبتكار والتحكم بعالم يشهد تحولاً وتغييراً سريعاً ومستمراً، ويتطلب ذلك أساليب تدريس جديدة وأنشطة تخرج عن مجرد التركيز على المحتوي، بل تقدم تعليماً قائماً على حل المشكلات إلى جانب المشاريع الجماعية، وكتابة خطط العمل، مع توفير الخبرة العملية في إنتاج وبيع المنتجات والخدمات والتعلم من الأخطاء، ويمكن تحديد بعض الخطوات الاجرائية لتنمية ثقافة ريادة الاعمال لدي الناشئة في مختلف المراحل التعليمية:
– إعداد قوائم متدرجة بأبعاد ثقافة ريادة الأعمال ومؤشراتها التى يمكن تناولها فى المقررات الدراسية لتستخدم كمعيار يمكن الرجوع إليه عند تطوير تلك المناهج.
تضمين أبعاد ثقافة ريادة الأعمال فى مختلف البرامج والمقررات التى يدرسها الطلاب في مختلف المجالات التعليمية وأن يكون التضمين فكراً من خلال إثراء المحتوى العلمى لتلك البرامج والمقررات بمعارف ومفاهيم ريادة الأعمال، وتدريباً من خلال إعداد وتنفيذ الأنشطة التعليمية التى تسهم فى تنمية المهارات والقيم الريادية، وتنفيذاً من خلال استخدام مداخل وأساليب تدريسية تسهم فى تعزيز تلك الثقافة لدى الطلاب.
– تخطيط وتنفيذ برامج تنمية مهنية وثقافية للمعلمين لتقبل ريادة الأعمال كتوجه إستراتيجي للدولة وتنمية الكفايات التدريسية اللازمة لغرس وتنمية أبعاد تلك الثقافة لدى طلابهم.

122241710 5059776974064903 108148665083183888 o 1