فلسطين: ماهر قاسم محمود
تظهر الثقافة بمضامينها المتعددة والمتشابكة، بمقدمة جبهة المواجهة ضد المستعمر الغربي والصهيوني، الذي سعى -وما زال- إلى اجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه، وطمس هويته وتزييف تاريخه وتبديد ثقافته. لهذا خاضت الثقافة مواجهاتها بأسلحة الفكر والأدب والفن الذي كان المثقفين أبرز حوامل مكوناته.
ولقد عاش الفلسطينيون تجربة ثقافية مهمة وملهمة، في مختلف مراحل صراعهم الطويل مع المحتل، بل إن التجربة الثقافية الفلسطينية تسبق بكثير تجربة الكفاح الوطني، فقد كانت مدن يافا والقدس حاضرة في المشهد الثقافي العربي، حتى قبل نكبة 1948، وكان المثقفين العرب يتوافدون إليها، بوصفها عاصمة ثقافية وفكرية ومركز إشعاع حضاري وتنوير معرفي، وكان للمثقفين الفلسطينيين بصمتهم في المسيرة الوطنية الفلسطينية، بدأت تجربة غسان كنفاني، في ما يعرف بالأدب المقاوم، وبعدها تجربة ناجي العلي وعلى مدى تلك الحقبة وبعدها، كانت بصمة محمود درويش حاضرة، وتجلت فيها بوضوح شديد علاقة المثقف الفلسطيني برجال السياسة وتبينت المسافات التي تفصل عمل المثقف عن العمل السياسي، في ظل تجربة خصبة وغنية، اتضحت فيها دلالة وجود القلم بجوار البندقية في المشهد الكفاحي، بواقع الثقافة و المثقف الفلسطيني في التجربة الثقافية.
إذاً لا شك أنَّ الثقافة الفلسطينية لعبت دورًا كبيرًا في تاريخ ونضال الشعب الفلسطيني في معركته من أجل البقاء، ومن أجل الحصول على حقوقه الوطنية الثابتة، وفي ظل معركة حماية الهوية ودعم فكرة الصمود والمقاومة ولدت ظاهرة أدب المقاومة وثقافة الصمود. واعتبر ذلك من خصوصيات القضية الفلسطينية حول دور الثقافة في إحياء القضية وما قامت به من تعزيز لآليات حركة المقاومة.
وفي طمع الكيان الصهيوني في السعي لطمس هويتنا ووضع العراقيل أمام نمونا الثقافي. فقد مارس الاحتلال، وما يزال، سياسية منهجية بطيئة عبر 62 عاما من الاحتلال لمحو الهوية. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، فمثلا قاموا بخلع الحجارة القديمة من مدننا الفلسطينية كالقدس المحتلة ووضعوا مكانها حجارة جديدة. واستخدموا حجارتنا في متاحفهم وشوارعهم لمحو تاريخنا وكتابة تاريخ جديد لهم. كما قاموا باستخدام تسميات عبرية على الشوارع والمدن والقرى الفلسطينية هادفين بذلك الى محو التاريخ والذاكرة. وسرقوا أغانينا ودبكتنا الشعبية ومأكولاتنا الفلسطينية “الفلافل والحمص”، والأزياء الشعبية حتى شاركوا بإحدى المسابقات العالمية “اليوروفيزيون” بملابسنا التراثية. كما أن قائمة التعديات والممارسات لمحو الهوية كثيرة، ولها أبعاد سياسية وثقافية تهدف إسرائيل من ورائها إلى تدمير مقومات الهوية وتشويه معالمها الثقافية. وردا على هذه الممارسات تصدينا لهم وما زلنا، ولكن لا بد لنا من رسم خطة وإستراتيجية ثقافية لتعزيز الصمود والمقاومة والحفاظ على الهوية.