أزمة كبيرة أحتدت الفترة الأخيرة بين وزارة الثقافة وإدارة المسرح القومي الذي كان يتولاه الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف والتي أدت إلي تقديم استقالته من المسرح القومي ورفضه إدارة المسرح الحديث.
الأزمة كانت بسبب مسرحية “هولاكو” وهي من تأليف فاروق جويدة وكان المقرر أن يخرجها الفنان جلال الشرقاوي، إذ كان للفنان أحمد شاكر بعض التحفظات على تقديمها على المسرح القومي موضحاً أن المنطقة العربية ليست في حالة تسمح لتقديم نوع من هذا الأعمال.
كما أزدات الأمور حدة بعض تسريب عدد من مشاهد وحوار النص الأصلي لمسرحية “هولاكو”، لترد وزارة الثقافة من خلالبيان صحفي جاء فيه الآتي:
تابع البيت الفني للمسرح ما أثير خلال الساعات القليلة الماضية بخصوص العرض المسرحي “هولاكو” وحول اعتذار الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف عن إدارة فرقة المسرح الحديث ، و التي حاول البعض ــ نفترض فيهم حسن النية ــ افتعال أزمة حولها أو منها..
وحقيقة الواقعتين المرتبطين هي ببساطة، في إطار حركة تنقلات عادية تهدف في المقام الأول لتنشيط الآداء في قطاع مسرح الدولة صدر قرارا تضمن نقل عبداللطيف من إدارة القومي إلي فرقة المسرح الحديث ، وتجدر الإشارة هنا إلي ان القرار تضمن تنقلات مشابهة بين فرق مثل الإسكندرية وشعبة المواجهة و التجوال التي تحولت إلي فرقة ، وغيرهما، إلا انه فيما يبدو اعتبر الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف أن النقل ينتقص من قدره فما كان منه إلا التقدم باعتذار عن إدارة الفرقة، علما بأن فترة إدارة عبداللطيف للقومي لم تشهد انتاجا جديدا ، و انشغلت خشبة القومي في أغلبها بعرض مسرحية ” المتفائل ” التي تم التجهيز لها بالكامل من خلال الإدارة السابقة للفرقة برئاسة الفنان يوسف إسماعيل،واكتفي الفنان أحمد شاكر بافتتاحها.
و عقب الاعتذار مباشرة بدأت الزوبعة غير المفهومة حول العرض المسرحي “هولاكو” للشاعر والمخرج الكبيرين فاروق جويدة وجلال الشرقاوي.
وللتوضيح دونما إتهام أو مزايدة، وافقت الرقابة على المصنفات الفنية على النص ، قبل تولي الفنان أحمد شاكر إدارة الفرقة بخمسة سنوات تعثر خلالها المشروع لأسباب متعددة أبرزها عدم الاستقرار علي تسمية أبطال العرض ، لكنه أصر علي إعادته للرقابة مرة أخري، وبالطبع تمت الموافقة عليه مجددا، وأبدي الشاعر الكبير فاروق جويدة مرونة تستحق التقدير تجاه بعض الملحوظات الصغيرة للرقابة، وتم التعاقد مع فريق العمل، وكان الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف هو من وقع التعاقد بصفته مديرا للفرقة، و قدم ميزانية العرض و تم رفعها الى السلطة المختصة و اعتمادها من رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، و هو ما يعتبر التزاما قانونيا و ماليا تجاه العرض ، قبل أن يكتشف فجأة ــ عقب اعتذاره ــ أن النص به مشكلات، أو عبارات تحتمل أكثر من معني.
وفي إطار توضيح تفاصيل المشهد أيضا تجدر الإشارة إلي أن أغلب ما جاء في البيان الذي أصدره الفنان أحمد شاكر وتناقلته بعض المواقع الإلكترونية والصفحات، أغلبه ليس دقيقا، فمثلا لم يتم “عدم إعتماد مد ” العرض المسرحي المتفائل” ، والصحيح أن بيت المسرح أعتمد خطة تجوال للعرض ليكون متاحا لجماهير الإسكندرية وعدد من المحافظات، استكمالا لما حققه من نجاح في القاهرة طوال ٧٥ ليلة عرض.
و يبدي البيت الفني للمسرح اندهاشه من اللغة المستخدمة للتعليق على عرض “هولاكو” واستخدام عبارات مثل ” الوقت الحالي في مصر والمنطقة العربية غير ملائم لتقديم العرض “.. وهي عبارة فضفاضة لا تنطلق من مرتكزات فنية، ولا توضح مثلا لماذا لا يتناسب الوقت وتقديم عرض عن واحدة من لحظات الكفاح الوطني ضد الغزاة، بينما تشهد المنطقة صراعات و نزاعات بمختلف صورها، بالإضافة الى ما يقاومه الوطن من قوى ارهابية و ظلامية تعتبر غزو تتري من نوع آخر، بالإضافة الى ان المسرح هو معبر دائم عن نبض الشعب و أفكاره، و ما يتناوله النص من إسقاطات هي شىء طبيعي في إطار تفاعل المسرح مع الأحداث الآنية ، فهو ليس درسا في التاريخ ، و لكنه عمل حي نابض بما يحدث حوله من أحداث، و تصرح الرقابة على المصنفات الفنية بما هو جائز و هو شىء غير متروك للأهواء الشخصية، و عليه فكل ما هو متداول و تم نشره من مقاطع من النص اعترضت عليها الرقابة على المصنفات الفنية تم تعديلها بالفعل أو حذفها بالفعل.
ولعلنا لا نجاوز الحقيقة إذا قلنا أن عملا كتبه الشاعر الكبير فاروق جويدة صاحب التجربة الأهم في المسرح الشعري خلال الربع قرن المنقضي، ويخرجه الفنان القدير صاحب الخبرة والتاريخ والرؤية جلال الشرقاوي، مثل هذا العمل هو وجبة فنية نثق في جودتها وأهميتها.
وأخيرا..يؤكد البيت الفني للمسرح على الإيمان بالعمل المؤسسي، وبتغيير الدماء علي فترات متقاربة، وباستبعاد العنصر الشخصي من خلافات العمل التي تهدف دائما لتقديم الأفضل للمتفرج المصري والعربي، وتقيم العروض طبقا لأهميتها واحتياج المتلقي المصري و العربي لها في هذا التوقيت وهذه اللحظة من عمر وطننا مصر، ووطننا العربي اجمالا.
وكان الفنان أحمد شاكر بعد تقديم استقالته أصدر بياناً يوضح أسبابه ومبرارتهتضمن الآتي:
“تقدمت لرئيس البيت الفني للمسرح بخطاب.. وأخطرته رسميا بفك الإرتباط بمسرحية هولاكو على المسرح القومي مستندا إلى رأي تقارير لجنة النصوص بالمسرح القومي والباحثين الفنيين ووجهة نظري التي أرسلتها للوزيرة بتاريخ ٩/٢ وبتاريخ ١٠/١٥.
وتابع “عبد اللطيف”: “عزز تلك الرؤية وأكدها التحفظات والمحاذير الإضافية التي وردت في تقرير تجديد ترخيص الرقابة بعد انتظار ثلاثة وسبعين يوما لهذا الترخيص.. واستنادا إلى صلاحياتي قمت بفك الإرتباط بمسرحية هولاكو، وطلبت مد مسرحية المتفائل التي ما زالت تحقق نجاحات أدبية وفنية ومادية كبيرة.. وقمت بإرسال ثلاثة خطابات رسمية أطالب فيها بالمد، مستندا إلى اتفاق تم بين الفنان سامح حسين وبين الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، بطلب شراء حفلات لطلاب الجامعة لمسرحية المتفائل، وفي ذلك إدخال أموال مباشرة لخزينة الدولة، ومستندا أيضا إلى تعاون ورغبة فريق عمل المسرحية الشديدة في الاستمرار”.
وأردف: “فوجئت أنا والعاملين بالمسرح وفريق عمل المسرحية بعدم اعتماد المد من قبل رئيس البيت الفني.. وبدا واضحا لي أن هناك إصرارا شديدا لدى السلطة المختصة على تقديم مسرحيه هولاكو رغم فكي للارتباط بها.. فدفعني هذا كله إلى إرسال خطاب للسيدة وزيرة الثقافة بتاريخ ١١/١١، مبينا فيه تلك الملابسات التي دفعتني في نهاية هذا الخطاب إلى طلب إعفائي من إدارة المسرح القومي”.
في السياق ذاته أكد أحمد شاكر عبد اللطيف: “إذا لم يكن من حق مدير عام المسرح القومي اختيار أو رفض ما يقدم على خشبة المسرح الذي هو مسئول عنه مسئولية كاملة، أو إذا لم يكن من حقه مد عرض المسرحيات الناجحة نجاح كبير ومشهود.. فماذا يتبقى لي إذن من صلاحيات”.
وأشار إلى: “من الغريب جدا أنني فوجئت في اليوم التالي بقرار بالتبديل بيني وبين مدير المسرح الحديث صادر من رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، وليس من مكتب الوزيرة دون أي أسباب واضحة، ودون أخذ رأيي في ذلك التبديل غير المبرر.
وعليه فقد تمسكت باستقالتي من إدارة المسرح القومي، ورفضت إدارة المسرح الحديث بالتبعية. سعيد وقانع بما تحقق من نجاح كبير يشهد به النقاد والجمهور والقامات المسرحية والثقافية والسياسية والدبلوماسية على مدار فترة إدارتي في العشرة أشهر الماضية”.