بقلم : تامر إدريس
(شتان مابين الثرى والثريا، وهيهات أن يتساوى السفح والقمة)..
تركيب جارٍ مجرى المثل، يراد به على الأغلب استحالة التماثل بين أمرين عقدت بشأنهما المقارنة، قد يكون الأول منهما غاية في البساطة أو الضعة، والآخر قد يكون غاية في الكمال والارتفاع، أحدهما هين، قريب المنال، والآخر عظيم، بعيد المنال…
ولا يمكننا أن نتطرق إلى سر الاقتباس لتلك المقولة هاهنا قبل أن نعرج على بعض ما قيل في أصلها اللغوي، وذلك بالرجوع إلى أحد معاجم اللغة العربية، فعلى سبيل المثال ورد في بيانها في معجم : “اللغة العربية المعاصرة”:
((ثَرًى [مفرد]: ج أَثْراء (لغير المصدر): مصدر ثَرِيَ.
الثَّرى: 1- (جو) طبقة التُّربة وكُسارة الصُّخور المنحتَّة والمرتكزة على الصَّخر الصّلب دونها وهي تشكِّل سطح أغلب الأرض.
2- الأرض “{لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}”…
(أين الثَّرى من الثُّريّا؟!!)
تعبير يستخدم لبيان الفرق الكبير بين أمرين كالبعد بين الأرض والنجوم المعروفة بالثُّريَّا-
طواه الثرى: مات – طيَّب الله ثراه: دُعاء للمتوفى بأن يغمره الله برحمته))…
فإن سأل سائل :” لم استعرت ذلك الشاهد الآن؟!!، تشبه نفسك بالثرى أم بالثريا؟!!، ألست تجنح عن جادة الصواب قليلا؟!!”
أجيبه بعبرة محفوفة بالأسى، مه مه ياصديقي!!
كل ذلك لم يكن، لست واصفا حالي، ولا مشخصا لبناني، حتى الثرى لا يقاربني، جزيئاته لا تعرفني، إن أنا إلا ذرة في مهب الريح، لا تصمد لقاصف، ولا تروق لواصف…
عنيت بها نهج الخلال، الأخلاء، الرفاق القدامى ، أهل الحب والنوى، ندماء العشق والجوى، بكاة الأطلال، أولي القصائد الطوال، أهل التيم والفداء…
أمثال :”كثير، وقيس، وذي القرائح كذا علقمة، وابن ربيعة، وابن كلثوم عمرو، ولا أنسى ابن شداد عنترة”…
بالغوا في بذل الأرواح، وما هابوا الجراح، نذروا الأنفاس والجسوم لمن أحبوا؛ مجونهم بواح، وحديثهم صراح…
فلا وصل نالوه، ولا سلم طالوه، بلغوا في التيه منتهاه، لا تقلهم أرض ولا تظلهم سماء، ولا يسألون الله المرحمة، ولا في الناس شملتهم أدنى معذرة، آه من تلك الفاجعة!!…
قصص توالت، نكبات تنامت، امتهان، وامتحان ثم اقتطاع الصلات الباقية، فرقت الأحبة لشيوع السرائر، وأقر الحرمان ابتغاء الشمائل الرفيعة العالية…
فلا جمعوا يوما بمن أحبوا، ولا هم قبروا لراحة في الآنية، لتبقَ آهاتهم خالدة، لتبث نجواهم الحارقة، ليبقَ ثرى العاشقين مبثوثا مذريا في الآفاق عاليا، يفوح شذاه عطرا يطوف البلاد بحثا، وتوقا للفواتن ذوات المحاسن الساحرة…
عله يحوط الثريا برهة؛ فترمقه بنظرة حالمة حانية أو تهديه من ثغرها الباسم بشاشة وضاءة كاسرة، تترفق بصريع الهوى وفاء لذكرى كانت ولا تزال في أهل الصبابة باقية!!