بقلم/ أحمد الطحاوي
ولما أخذ ألجيبغا وطنيرق يعرفان السلطان ما ينكره عليه الأمراء من لعب الحمام وتقريب الأوباش وخوفاه فساد الأمر فغضب وأمر آقجبا شاد العمائر بخراب حضير الحمام ثم أحضر الحمام وذبحهم واحداً بعد واحد بيده وقال لألجيبغا وطنيرق: والله لأذبحنكم كلكم كما ذبحت هذا الحمام وتركهم وقام وفرق جماعة من خشداشية ألجيبغا وطنيرق في البلاد الشامية وآستمر على إعراضه عن الجميع ثم قال لحظاياه وعنده معهن الشيخ علي بن الكسيح: والله ما بقي يهنأ لي عيش وهذان الكذابان بالحياة يعني بذلك عن ألجيبغا وطنيرق فقد أفسدا علي جميع ما كان لي فيه سرور واتفقا علي ولا بد لي من ذبحهما فنقل ذلك ابن الكسيح لألجيبغا فإن ألجيبغا هو الذي أوصله إلى السلطان وقال: مع ذلك خذ لنفسك الحذر فو الله لا يرجع عنك وعن طنيرق فطلب ألجيبغا طنيرق وعرفه ذلك فأخذا في التدبير عليه في الباطن وأخذ في التدبير عليهما. وخرج الأمير بيبغا أرس للصيد بالعباسة فإنه كان صديقاً لألجيبغا وتنمر السلطان على طنيرق وآشتد عليه وبالغ في تهديده فبعث طنيرق وألجيبغا إلى الأمير طشتمر طلليه وما زالا به حتى وافقهما ودارا على الأمراء وما منهم إلا من نفرت نفسه من السلطان الملك المظفر وتوقع به أنه يفتك به فصاروا معهما يداً واحدة لما في نفوسهم ثم كلموا النائب في موافقتهم وأعلموه أنه يريد القبض عليه، وكان عنده أيضاً حس من ذلك وأكثروا من تشجيعه حتى وافقهم وأجابهم وتواعدوا جميعاً في يوم الخميس تاسع شهر رمضان على الركوب على السلطان في يوم الأحد ثاني عشر شهر رمضان فبعث السلطان في يوم السبت يطلب بيبغا أرس من العباسة وقد قرر مع الطواشي عنبر مقدم المماليك أن يعرف المماليك السلاح دارية أن يقفوا خلفه فإذا دخل بيبغا أرس وقبل الأرض ضربوه بالسيوف وقطعوه قطعاً فعلم بذلك ألجيبغا وبعث إليه يعلمه بما دبره السلطان عليه من قتله ويعرفه بما وقع آتفاق الأمراء عليه وأنه يوافيهم بكرة يوم الأحد على قبة النصر فآستعدوا ليلتهم ونزل ألجيبغا من القلعة وتلاه بقية الأمراء حتى كان آخرهم ركوباً الأمير أرقطاي نائب السلطنة وتوافوا بأجمعهم عند مطعم الطير وإذا ببيبغا أرس قد وصل إليهم فعبوا أطلابهم ومماليكهم ميمنة وميسرة وبعثوا في طلب بقية الأمراء فما ارتفع النهار حتى وقفوا بأجمعهم ملبسين عند قبة النصر وبلغ السلطان ذلك فأمر بضرب الكوسات فدقت وبعث الأوجاقية في طلب الأمراء فجاءه طنجرق وشيخون وأرغون الكاملي وطاز ونحوهم من الأمراء الخاصكية ثم بعث المقدمين في طلب أجناد الحلقة فحضروا ثم أرسل السلطان يعاتب النائب أرقطاي على ركوبه فرد جوابه بأن مملوكك الذي ربيته ركب عليك يعني عن ألجيبغا وأعلمنا فساد نيتك لنا وقد قتلت مماليك أبيك وأخذت أموالهم وهتكت حريمهم بغير موجب وعزمت على الفتك بمن بقي وأنت أول من حلف أنك لا تخون الأمراء ولا تخرب بيت أحد فرد السلطان الرسول إليه يستخبره عما يريده الأمراء من السلطان حتى يفعله لهم فعاد جوابهم أنه لا بد أن يسلطنوا غيره فقال: ما أموت إلا على ظهر فرسي فقبضوا على رسوله وهموا بالزحف عليه فمنعهم النائب أرقطاي من ذلك حتى يكون القتال أولاً من السلطان فبادر السلطان بالركوب إليهم وأقام أرغون الكاملي وشيخون في الميمنة ثم أقام عدة أمراء أخر في الميسرة وسار بمماليكه حتى وصل إلى قريب قبة النصر فكان أول من تركه ومضى إلى القوم الأمير طاز ثم الأمير أرغون الكاملي ثم الأمير ملكتمر السعدي ثم الأمير شيخون وانضم الجميع إلى النائب أرقطاي والأمراء وتلاهم بقيتهم حتى جاء الأمير طنرق والأمير لاجين أمير جاندار صهر السلطان آخرهم وبقي السلطان في نحو عشرين فارساً فبرز له الأمير بيبغا أرس والأمير ألجيبغا فولى السلطان فرسه وآنهزم عنهم فتبعوه وأدركوه وأحاطوا به فتقدم إليه بيبغا أرس فضربه السلطان بالطبر فأخذ بيبغا الضربة بترسه ثم حمل عليه بالرمح وتكاثروا عليه حتى قلعوه من سرجه وضربه طنيرق بالسيف فجرح وجهه وأصابعه ثم ساروا به على فرس غير فرسه محتفظين به إلى تربة آق سنقر الرومي تحت الجبل وذبحوه من ساعته قبيل عصر يوم الأحد ثاني عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ودفن بتربة أمه ولما أنزلوه وأرادوا ذبحه قال لهم: بالله لا تستعجلوا علي خلوني ساعة فقالوا: كيف استعجلت أنت على قتل الناس! لو صبرت عليهم صبرنا عليك فذبحوه. وقيل: إنهم لما أنزلوه عن فرسه كتفوه وأحضروه بين يدي النائب أرقطاي ليقتله فلما رآه النائب نزل عن فرسه وترجل ورمى عليه قباءه وقال: أعوذ بالله هذا سلطان ابن سلطان ما أقتله ! فأخذوه ومضوا إلى الموضع الذي ذبحوه فيه ثم صعد الأمراء القلعة من يومهم ونادوا في القاهرة بالأمان والاطمئنان وباتوا بالقلعة ليلة الإثنين وقد اتفقوا على مكاتبة نائب الشام الأمير أرغون شاه بما وقع وأن يأخذوا رأيه فيمن يقيموه سلطاناً فأصبحوا وقد آجتمع المماليك على إقامة حسين ابن الملك الناصر محمد عوضاً عن أخيه المظفر في السلطنة ووقعت بين حسين وبينهم مراسلات فقام المماليك في أمره فقبض الأمراء على عدة منهم ووكلوا الأمير طاز بباب حسين حتى لا يجتمع به أحد من جهة المماليك وأغلقوا باب القلعة واستمروا بآلة الحرب يومهم وليلة الثلاثاء وقصد المماليك إقامة الفتنة فخاف الأمراء تأخير السلطنة حتى يستشيروا نائب الشام أن يقع من المماليك ما لا يدرك فارطه فوقع آتفاقهم عند ذلك على حسين فسلطنوه فتم أمره وكانت مدة سلطنة الملك المظفر هذا على مصر سنة واحدة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً وكان المظفر أهوج سريع الحركة عديم المداراة سيئ التدبير يؤثر صحبة الأوباش على أرباب الفضائل والأعيان وكان فيه ظلم وجبروت وسفك للدماء قتل في مدة سلطنته مع قصرها خلائق كثيرة من الأمراء وغيرهم.