بقلم/ د محمد عطا عمر
معالجة الأزمات من منظور الشريعة الإسلامية في هذه الحلقة سنتحدث عن العامل النفسي والتوازن وعدم اليأس والانهيار, لأن للعامل النفسي دور كبير في معالجة الأزمات, حتى يتم التغلب عليها والخروج منها بفضل الله. إن العامل النفسي هو الأخطر في مواجهة الأزمة، لذلك حرص القرآن على مخاطبة النفوس وتثبيتها عند المحن والابتلاءات، وتدريبها على أن هذه الأزمات ستنتهي حتماً بإرادة الله. وهنا يحدثنا الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله عن نفسية المؤمنين قائلاً: أصابتهم الفاجعة الكبرى، الملهية، المتكررة، وهي لا تتكرر على نمط واحد، إنما يتعدد تكرارها، فمرة يأخذها الإيمان، ثم تأخذها المصائب والأحداث, وتتكرر المسألة حتى بلغ الموقف من الاختيار والابتلاء إلى القمة، ومع ذلك واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه الاستمساك بالإيمان، حتى وصل الأمر من أثر هذه الهزة أن يقُولَ الرسول صلى الله عليه وسلم متى النصر﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ﴾. (سورة البقرة: الآية 214), ولم يكن ذلك للشك والارتياب فيه، ومع ذلك فإذا بصوت آخر من المعركة يرد عليهم قائلاً: ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾.( سورة البقرة: الآية 214) ومنها نذكر موقف لعمر رضي الله عنه في عام الرمادة وثباته وعدم يأسه هو ومن معه, لما اشتدت بهم الأزمة وضاقت بالناس, حيث أجمع عمر رضي الله عنه على أن يستسقى ويخرج بالناس، فكتب إلى عماله وولاة الأقاليم، أن يخرجوا يوم كذا وساعة كذا، وان يتضرعوا إلى الله, ويطلبون أن يرفع المحل عنهم وقلة الأمطار وأن يزيح الأزمة، قيل: فخرج عمر وعليه بُرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى المصلى، فخطب الناس وتضرع إلى الله، وجعل الناس يلحون في طلباتهم إلى الله، فلما أكثر دعاءه إلى الاستغفار حتى قرب أن ينصرف، رفع يديه مراراً، وجعل يلح في الدعاء، وبكى عمر بكاء طويلاً حتى أخضلت لحيته. (ابن سعد: الطبقات، ج3، ص398.) وخرج معه العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب وقال: اللهم عجزت عنا أنصارنا، وعجزنا حولنا وقوتنا وعجزت عنا أنفسنا، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم فاسقنا واحيي البلاد والعباد، ثم أخذ بيد العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ودموع العباس لتنحدر على لحيته، فقال: اللهم نتقرب إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم ، هو وبقية أبائه، فانك تقول وقولك الحق: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ سورة (الكهف: الآية 62) فحفظتهما بصلاح أبائهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه، فقد لذنا به إليك، مستشفعين مستغفرين، ثم أقبل على الناس فقال: استغفروا ربكم انه كان غفاراً, وكان العباس قد طال وعمر، وعيناه تذرفان الدمع ولحيته تجول على صدره، وهو يقول: اللهم أنت الراعي فلا تهمل الضالة، ولا تدع الكبر بدار مضيعة، فقد فزع الصغير ورفق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت أعلم السر وأخفى، اللهم فأغثنا بغياثك، قبل أن يقنطوا فيهلكون فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون.(ابن الأثير: الكامل في التاريخ, ج2, ص575) وفي هذه الأزمة إخوة الإيمان ندعوا الناس إلى التوازن والتمسك وعدم الانهيار, واليقين بفرج الله, وندعوك يا ربي أن تفرج عنا هذه الغُمة الكبرى التي نحن فيها, فقد أُغلقت المساجد وفرغت الشوارع وتوقفت المصالح, وتوقف الطواف حول بيتك الحرام, وقد فزع الصغير ورفق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت أعلم السر وأخفى، اللهم فأغثنا بغياثك يا رب العالمين .