بقلم/ أحمد الطحاوي
وبموت شيخون خف عن السلطان أشياء كثيرة فإنه كان ثقيل الوطأة على السلطان إلى الغاية بحيث إن السلطان كان لا يفعل شيئاً حتى يشاوره حقيرها وجليلها فلما مات آلتفت السلطان حسن إلى إنشاء مماليكه فأمر منهم جماعة كثيرة على ما سيأتي ذكره ثم أخذ السلطان حسن في شراء دار ألطنبغا المارداني ويلبغا اليحياوي بالرميلة وهدمهما وأضاف إليهما عدة دور وإسطبلات أخر وشرع في بناية مدرسته المعروفة به تجاه قلعة الجبل التي لم يبن في الإسلام نظيرها ولا حكاها معمار في حسن عملها وذلك في سنة ثمان وخمسين المذكورة ولما شرع في عمارتها جعل عليها مشدين ومهندسين وآجتهد في عملها وأما مصروفها وما آجتمع بها من الصناع والمعلمين فكثير جداً لا يدخل تحت حصر وقيل: إن إيوانها يعادل إيوان كسرى في الطول قلت: وفي الجملة إنها أحسن ما بني في الدنيا شرقاً وغرباً في معناها بلا مدافعة وفي هذه السنة وقع أمر عجيب قال ابن كثير في تاريخه: وفي هذه السنة حملت جارية من عتقاء الأمير الهيدباني قريباً من تسعين يوماً ثم شرعت تطرح ما في بطنها فوضعت قريباً من أربعين ولداً منهم أربع عشرة بنتاً وقد تشكل الجميع وتميز الذكر من الأنثى فسبحان القادر علي كل شئ ولما مات شيخون انفرد صرغتمش بتدبير المملكة وعظم أمره واستطال في الدولة وأخذ وأعطى، وزادت حرمته وأثرى وكثرت أمواله إلى أن قبض عليه الملك الناصر حسن حسب ما يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى ثم إن السلطان قبض على الأمير طاز نائب حلب في أوائل سنة ثمان وخمسين المذكورة بسفارة صرغتمش وقيده وحمله إلى الإسكندرية فحبسه بها وولى عوضه في نيابة حلب الأمير منجك اليوسفي الوزير نقل إليها من نيابة طرابلس ثم عزل السلطان عز الدين بن جماعة عن قضاء الشافعية بديار مصر وولى عوضه بهاء الدين بن عقيل فأقام ابن عقيل في القضاء ثمانين يوماً وعزل وأعيد ابن جماعة ثم نقل السلطان منجك اليوسفي المذكور من نيابة حلب إلى الشام عوضاً عن أمير على المارديني ونقل المارديني إلى نيابة حلب كل ذلك في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة المقدم ذكرها وخلع السلطان على تاج الدين بن ريشة واستقر في الوزارة ثم نفى السلطان جماعة من الأمراء منها الأمير جرجي الإدريسي وأنعم بإقطاعه وهو إمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر على مملوكه يلبغا العمري صاحب الكبش وهو الذي قتل أستاذه الملك الناصر حسناً المذكور حسب ما ثم خلع السلطان على يلبغا وجعله أمير مجلس عوضاً عن الأمير تنكز بغا المارديني. ثم في يوم الخميس العشرين من شهر رمضان سنة تسع وخمسين وسبعمائة أمسك السلطان الأمير صرغتمش الناصري بعد ما أقعد له قواعد مع الأمير طيبغا الطويل ويلبغا العمري وغيرهما وأمسك معه جماعة من الأمراء وهم طشتمر القاسمي حاجب الحجاب وطيبغا الماجاري وأزدمر وقماري وأرغون الطرخاني وآقجبا الحموي وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات. وكان سبب مسكه أن صرغتمش كان قد عظم أمره بعد موت شيخون وآستبد بأمور الدولة وتدبير الملك فلما تم له ذلك ندب الملك الناصر حسنا لمسك طاز ووغر خاطره عليه حتى كان من أمره ما كان فلما صفا له الوقت بغير منازع لم يقنع بذلك حتى رام الوثوب على الملك الناصر حسن ومسكه واستقلاله بالملك فبلغ الناصر ذلك فاتفق مع جماعة من الأمراء مسكه عند دخوله على السلطان في خلوة فلما كان وقت دخوله وقفوا له في مكان رتبهم السلطان فيه فلما دخل صرغتمش احتاطوا به وقبضوا عليه ثم خرجوا لمن عين لهم من الأمراء المقدم ذكرهم فقبضوا عليهم أيضاً في الحال وحبسوا الجميع بقلعة الجبل فلما بلغ مماليك صرغتمش وحواشيه من المماليك بالسلاح وطلعوا إلى الرميلة فنزل إليهم المماليك السلطانية من القلعة وقاتلوهم من بكرة النهار إلى العصر عدة وجوه إلى أن كانت الكسرة على مماليك صرغتمش أخذتهم السيوف السلطانية ونهبت دار صرغتمش عند بئر الوطاويط ونهبت دكاكين الصليبة ومسك من الأعجام صوفية المدرسة الصرغتمشية جماعة لأنهم ساعدوا الصرغتمشية وأحموهم عند كسرتهم وما أذن المغرب حتى سكن الأمر وزالت الفتنة ونودي بالأمان والبيع والشراء. وأصبح الملك الناصر حسن في بكرة يوم الثلاثاء وهو سلطان مصر بلا منازع وصفا له الوقت وأخذ وأعطى وقرب من اختار وأبعد من أبعد وخلع على الأمير ألجاي اليوسفي واستقر به حاجب الحجاب عوضاً عن طشتمر القاسمي وخلع على جماعة أخر بعدة وظائف ثم أخذ في ترقية مماليكه والإنعام عليهم وأعيان مماليكه: يلبغا العمري وطيبغا الطويل وجماعة من أولاد الأمراء وكان يميل لإنشاء أولاد الناس وترقيهم إلى الرتب السنية لا لحبه لهم بل كان يقول: هؤلاء مأمونو العاقبة وهم في طي علمي وحيث وجهتهم إليه توجهوا ومتى أحببت عزلهم أمكنني ذلك بسهولة وفيهم أيضاً رفق بالرعية ومعرفة بالأحكام حتى إنه كان في أيامه منهم عدة كثيرة منهم أمراء مقدمون يأتي ذكر أسمائهم في آخر ترجمته إن شاء الله تعالى ثم أخرج السلطان صرغتمش ورفقته في القيود إلى الإسكندرية فسجن صرغتمش بها إلى أن مات في ذي الحجة من السنة على ما سيأتي ذكر صرغتمش في الوفيات من حوادث سنين الملك الناصر حسن. ثم إن السلطان عزل الأمير منجك اليوسفي عن نيابة دمشق في سنة ستين وسبعمائة وطلبه إلى الديار المصرية فلما وصل منجك إلى غزة بلغه أن السلطان يريد القبض عليه فتسحب ولم يوقف له على خبر وعظم ذلك على السلطان وأكثر من الفحص عليه وعاقب بسببه خلائق فلم يفده ذلك ثم خلع السلطان على الأمير علي المارديني نائب حلب بإعادته إلى نيابة دمشق كما كان أولاً وآستقر بكتمر المؤمني في نيابة حلب عوضاً عن علي المارديني فلم تطل مدته بحلب وعزل عنها بعد أشهر بالأمير أسندمر الزيني أخي يلبغا اليحياوي نائب الشام كان ثم خلع السلطان على فخر الدين بن قروينة باستقراره في نظر الجيش والخاص معاً ثم ظهر الأمير منجك اليوسفي من اختفائه في بيت بالشرف الأعلى بدمشق في سنة إحدى وستين وسبعمائة بعد أن اختفى به نحو السنة فأخذ وأحضر إلى القاهرة فلما مثل بين يدي السلطان وعليه بشت عسلي وعلى رأسه مئزر صفح عنه لكونه لم يخرج من بلاده ورسم له بإمرة