(الطريق الى نفس مُطمئنة)

FB IMG 1612328701902


بقلم/ دكتور. احمد يوسف الحلوانى
باحث في الشريعة الاسلامية
كثيراً مَا نُحدثُ أنفسنا كيف لنا أن نَختبرها فنعرف إن كانت مُطمئنة أم مُضطرِبة مُرتابة ؟
وفى الحقيقة أن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ، فإن كنت صادقاً في تدينك حصل لك الطمأنينة ، وإن كان التدين ظاهري والله يعلم أنه كذب – حصل الارتياب الدائم ، وأصبحت مرتاباً في كل شيئ ، قلق ، ومُضطرِب، لأن التدين الكاذب ، والمظاهر الطقوسية الكاذبة ، تُورِث الريبة ، ولانقصد الريبة في وجود الله ، بل الريبة فيما عدا هذا ، وربما – والعياذ بالله – تصبح بريداً حتى للكفر ، وكأين من مُتدين رأينا أنه في لحظة إختبار ، إنقلب وحار كافراً – والعياذ بالله – مُلحِداً!
واعلم أن طمأنينة القلب تُؤسِّس لطمأنينة النفس، فمُحال أن يتمتع الإنسان ويحظى بنفس مُطمئنة ما لم يحظ من قبل بقلب مُطمئن ، قلب مُطمئن بذكر الله ، ومعنى أنك ذاكر لله أنك لا تنساه ، كما يقول العارفون بالله أنك في الحضرة ، في حالة حضور مع الله .
وذكر الله بهذا المعنى يعني خشية الله، و محبة الله ، والرجاء في الله ، ومُراقَبة الله ، ولذلك كما اخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مُؤمِن ) ، لو كان في الحضرة لما زنى ، لا يُمكِن أن يعصي الله وهو في حضرته فلا تُطاوِعه نفسه أبداً ، [هذا معنى الذكر] .
‌وبالذكر تُعطى النفس ‌المطمئنة رشدها وتقواها ، وبالذكر تخرج من وصف الأمّارة بالسوء إلى وصف المطمئنة بأخلاق الإيمان ، والفرح وَالسُّرُور وَطيب الْعَيْش ، وهو الطريق الىِ معرفَة الله وتوحيده ، والأنس بِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه.
واعلم أن أنكد الْعَيْش عَيْش من قلبه مشتت وهمه مفرق فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مُسْتَقر يسْتَقرّ عِنْده وَلَا حبيب يأوي إِلَيْهِ ويسكن إِلَيْهِ كَمَا أفْصح الْقَائِل عَن ذَلِك بقوله
(وَمَا ذاق طعم الْعَيْش من لم يكن لَهُ … حبيب إِلَيْهِ يطمئن ويسكن)
فالعيش الطّيب والحياة النافعة وقرة الْعين فِي السّكُون والطمأنينة إِلَى محبة الله والشوق والمداومة على ذكره سبحانه .
واعلم أنه وَلَو تنقل الْقلب فِي المحبوبات كلهَا لم يسكن وَلم يطمئن إِلَى شَيْء مِنْهَا وَلم تقر بِهِ عينه حَتَّى يطمئن إِلَى إلهه وربه ووليه الَّذِي لَيْسَ لَهُ من دونه ولي وَلَا شَفِيع وَلَا غنى لَهُ عَنهُ طرفَة عين فاحرص أَن يكون همك وَاحِدًا وَأَن يكون هُوَ الله وَحده فَهَذَا غَايَة سَعَادَة العَبْد وَصَاحب هَذِه الْحَال فِي جنَّة مُعجلَة قبل جنَّة الْآخِرَة وَفِي نعيم عَاجل كَمَا قَالَ بعض الواجدين إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات أَقُول إِن كَانَ أهل الْجنَّة فِي مثل هَذَا إِنَّهُم لفي عَيْش طيب وَقَالَ آخر إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات يرقص فِيهَا طَربا وَقَالَ آخر مَسَاكِين أهل الدُّنْيَا خَرجُوا مِنْهَا وَمَا ذاقوا أطيب … مَا فِيهَا قيل لَهُ وَمَا أطيب مَا فِيهَا قَالَ معرفَة الله ومحبته والأنس بِقُرْبِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه.