(العارف بالله ومدّعي العرفان)

148095915 1169535283480458 8010237103551474254 n

بقلم / دكتور احمد يوسف الحلوانى….باحث في الشريعة الإسلامية

ما من حُب إذا حُكيت حكايته أو إذا قُصت قصته أو إذا تُليت أشعاره يبلغ من المرء جوهر وسويداء قلبه وروحه ، كحكاية الحُب لله .

فمَن ادّعى محبة الله لم يلتفت إلى غيره ، ومَن عرف الله لم يلتفت إلى شيئ سواه ، ذلك ..لأنه أكبر، وهذه الأكبرية ، هى تحقَّق بفهمها ودركها ووعيها ،

أكبر، لكن إذا التفت الى غير الله فاعلم أن الملتفت لا يصل ، والمُتسلِّل لا يُفلِح ، وإنما هو لص من اللصوص ، ويُوشِك أن يكون تدين الكثيرين من الناس

لصوصية ، فهم يضحكون ويخدعون ويغشون أنفسهم بأنهم يُريدون وجه الله وبأنهم يُحِبونه ، وإنما ذلك فقط من أجل أن يُصيبوا به الدنيا ، ولذلك يختبر الله مَن ادّعى حُبه ، وفي رأس الاختبارات كما أعطاه اللذيذ المشوق الحلو يسوق إليه المُر الحنظلي ، ليرى منه صدق محبته وهو اعلم سبحانه ، فأما الصادق فهو على حالة واحدة، لا يرى من الله إلا كل جميل ، وأما المُخادِع الكذّاب فسريعاً ما يُفتضَح.

يُحكى عن السُلطان العظيم محمود بن الغزنوي ، وهو من أعظم سلاطين المُسلِمين وأجلهم ، وكان يتعاطى العلم أيضاً ويُقرِّب العلماء والصُلحاء، لكن كان له نديم من خاصة خِلصانه وأقربهم إلى قلبه وأمسهم به مودة ، يُدعى إياساً ، وحدث ذات يوم أن تناول السُلطان محمود الغزنوي قثاءة، أي خيارة! خيارة كسرها باثنين، وأعطى إياساً نصفها، وأخذ هو النصف، فشرع إياس مُباشَرةً يأكل، ويأكل بالتذاذ، والسُلطان يُحادِثه، بعد قليل وضع السُلطان شطره في فمه، فلفظه سريعاً، لفظه سريعاً وقال إياس، كيف أمكنك أن تأكل هذا؟! إنه مُر كالحنظل أو كالسُم الزُعاف، كيف أمكنك أن تأكل هذا وتلتذ به ؟ وهذا يُواصِل أكله، قال سيدي، سُلطاني المُعظَّم، لقد أفضلت علىّ كثيراً، سنوات كثيرة وأنت تُغدِق علىّ النعم والأفضل، حتى صرت إلى حالة مهما أعطيتني من شيئ لم أره إلا حلواً عذباً لذيذاً. هذا هو المُحِب، هذا الذي عرف الله، وهذا الذي شكر نعمة الله، عمَّرك الله ما عمَّرك – عمَّرك عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو خمسين أو سبعين أو ثمانين سنة – وساق إليك من وجوه النعم والأفضال ما الله به عليم وما تستذكر أنت بعضه ونسيت أكثره، فإذا أراد أن يختبرك في مسألة أو مسألتين أو ثلاث عُدت إلى حافرتك وانقلبت على عقبيك وجعلت تشكوى وتتذمَّر .

فإن رضيت وأحببت ما أحبه الله لك، فينقلب الأمر تماماً، ليعود فتوحاً حقيقيةً، ليعود لذةً ونعيماً، بعد أن كان ألماً وعذاباً. فالعارف بالله يقبل من الله كل ما يُورِده عليه، والله يُكافئه ، بماذا ؟ يقبل منه كل ما فعل ، الإنسان يُخطئ ، والله يقول له معفو، الإنسان يتجاوز، والله يقول له مُسامَح يا عبدي، مُسامَح! أنت تحمَّلت ما لا تتحمَّله الجبال من اختباراتي، وأنا الآن أجوز لك وأسمح لك ما أخطأت به .فاللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ورزقاً واسعاً، وعملاً مُتقبَّلاً، وعيناً دامعةً، ونعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن عمل لا يُرفَع، ونعوذ من الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنه بئست البطانة. اكفنا ما أهمنا من أمر دنيانا وأمر أخرانا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، إلهنا ومولانا رب العالمين.