العصْرُ الآثِمُ …

142141764 3872975092765538 1782483946483799850 n

بقلم : أ . د . بومدين جلالي…

نحن في عصر يختلف عن كل العصور في جميع الدهور …

إنه عصر القصور والفجور والغرور والشرور والقبور …

كسفتِ الشمس وخسف القمر وغيّرت النجوم مساراتها وانكسرتْ كل السببيّات والنواميس وتغيّرت دلالات الألفاظ في القواميس واختلط الماء بالدم بالعرق بالقيح بالعفونة الآتية من كل حدب وصوب مما ننتجه ونعيش فيه من ويلات ونكبات وانقسامات وصراعات وهزات لا تشبهها هزات وممات إثر الممات إثر الممات. إننا نموت فنبعث فنموت فنبعث فنموت فنبعث ونحن شبه أحياء وشبه أموات من جراء ما نحن فيه من آفات وحماقات وتقاطع مع ضواري الحيوانات التي مارسنا إبادتها كما مارسنا إبادة أنفسنا ظلما وعدوانا فتناسخت فينا لتأخذ ثأرها وثأرنا منّا …

ما كان للحيوان ولا حتى للشيطان والجان وأغوال الأساطير التي ترعب الصبيان أن يصِلوا فرادى أو جماعات إلى ما وصلنا إليه من تعدٍّ على إنسانية الإنسان في هذا العصر الملون بسواد الدخان والأحزان وأحقاد تجاوزت عنف الزلزال وحرارة البركان … قهرنا الإنسان فمات فينا الإنسان وخربنا الأديان فغاب عنا الإيمان ولوثنا الثقافات والمعارف فجف فينا التعايش والتآلف وكسّرنا تجليات السخاء والحياء فإذا بنا لا نعطف على مستضعف أو عديم ولا نستحي مِن طاعن في السن أو مَن بمنجزه في مسار الوجود عظيم …

حروب الفناء قائمة أو هي في طور التحضير في كل مكان، والشرائع والقوانين والقيم والأعراف دخلتْ جميعها في حكايات كان يا ما كان عند الإنسانية البدائية في ما طُوِيَ من سحيق الزمان … ذهب كل ما تعارف عليه قدامى البشَر بمصطلح ” الحق ” وحلت محله آليات القوة الشرسة الشرهة الشريرة التي تسحق الأخضر واليابس متجهة إلى تأسيس زمن الكائنات الخرافية المعدنية التي لا قلب لها ولا روح ولا عاطفة ولا ضمير ولا أي وازع يقول ” لا ” أين يجب أن تقال ” لا ” …

في واقع الحال أنا لا أتحدث عن العصر الآثم بما فيه من متاعب ومصاعب ومصائب حديثا حقيقيا وإنما أفعل ذلك مجازِياً قاصداً أهله الغلاظ الشداد، وأخص منهم أهل المال الطاغي وأهل الكراسي الجبارة وأهل المعارف المضللة وأهل النزوات التي لا تقف عند حد محدود وأهل المكائد التي تضر ضرا يتوسع ويتمدد ولا تقدم مقدار ذرة من الحيطة أو النفع وصانعي الفساد ومنتجي الخبائث المادية والمعنوية ومروجيها وحماتها وكل المساهمين في تدمير الفطرة السليمة والتوازن السليم والبيئة السليمة …

أنا أتحدث عن الإنسان الذي يقتل أخاه الإنسان بالتعدي والظلم والقمع والفساد والمكر والتجبر والغرور والاستثمار في الخبائث وتدمير سنن الحياة وتكسير توازناتها المختلفة ومحو قيم المحبة والسلام والتعايش والتفاهم منفصلة ومجتمعة … أنا أتحدث عن الإنسان الذي لا يحترم الأمس ولا يفكر في الغد وإنما يعيش الحاضر بمادية عدوانية جشعة مفرطة حولت القلب إلى آلة لضخ الدم فقط وحولت العقل إلى حاسب لعد الربح فقط وحولت الديانات إلى خرافات أسطورية فقط وحولت الثقافات إلى طريق للنزوات فقط وحولت القوانين المنظمة لمسار البشر في الحياة إلى أدوات للاستعباد والقهر وإزالة إنسانية الإنسان فقط وحولت جميع النشاطات البشرية إلى وسائل لتراكم الثروات والسلطات والامتيازات في يد أقلية معقدة شريرة مجرمة فقط على حساب أكثرية لا تكاد تملك من أمرها شيئا في كل أصقاع العالم من غير استثناء يذكر… ما هكذا قالت الديانات الحكيمة والفلسفات السليمة والفنون العظيمة والقيم الرحيمة قبل أن يستولي عليها الإنسان القوي المجرم الذي شكل خصوصيات هذا العصر الآثم بما فيه من إجرام لا محدود ولا معدود …

فإما أن نقاوم معاً هذه النزعة الإجرامية الخطيرة في كل مكان لنقضي عليها حتى تعود الحياة إلى طبيعتها أو نخفف من حدتها على الأقل لتستمر الحياة في أسوإ صورها الممكنة، وإما هي النهاية الحتمية للأرض بمَن فيها وما فيها من تجليات للوجود الحي خلال مدة زمنية لا تكاد تساوي شيئا في تاريخ هذه الأرض التي أتى عليها إجرام الأقوياء ولامبالاة الضعفاء.