بقلم/ الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بأداب الزقازيق..
ما الذي يضير العلماء من كل محاولات المؤمنين الاستعانة بمكتشفات العلم للبرهنة علي صحة عقائدهم؟هل هذا يشل أيديهم و عقولهم عن فهم الطبيعة؟ أم أنهم عينوا أنفسهم وكلاء علي الطبيعة،و يملكون حق إعلان البيانات الصحيحة عنها،أو أن استغلال هذه البيانات حكر عليهم؟
لكن و برغم أنني شخصيا ضد هذا التوجه الشائع لدي المؤمنين من كل دين،و لست ممن يحبون البرهان بالعلم علي صحة معتقداته،فليس عندي ما يمنع المؤمنين من الاستئناس بالواقع و علومه،أي لا حرج لديَّ من التماسهم الدعم العام من العلوم جميعا لتعزيز إيمانهم،و أنه غالبا لا ينافي الحقائق العلمية برغم أنها متغيرة غالبا.
و لكن أكبر مشكلة هي في إساءة استخدام القرائن العلمية لإثبات الحقائق الإيمانية،فنري هؤلاء يصطنعون الأدلة علي وجوه مخالفة تماما لمعانيها،و يعيدون تأويل الوقائع بطريقة موجهة لإثبات قضايا بعيدة عن مضمونها العلمي كل البعد قد تصل إلي حد التلفيق.
و ما يغيب عن بال هؤلاء المتحمسين للتدليل بالعلم علي صحة العقائد هو أن هذا التزييف يؤدي إلي نتائج سلبية تناقض الغرض الذي جاءت له،مع ما يتولد في ذلك من نفور غيرهم من عقائد يلح أهلها علي الترويج لها بأساليب فجة و زائفة.
و علي الضد من ذلك نجد أكثر نقاد الأديان يبالغون في إظهار العقائد الدينية بمظهر السخافة و اللامعقول،و هم ككل المتطرفين من الجانبين ينطلقون من إرهاب خصومهم و السخرية منهم و التنمر عليهم،بالإدعاء الدائم بأن الدين مرض نفسي و اجتماعي يجب العمل علي البرء منه.و بذلك ينطلقون من توجهات فكرية لها أهداف أخري لا يعلنون عنها و لكنها تقبل الوصف و التحليل.
و بذلك لن يختلف هؤلاء عن أولئك في درجة السذاجة و السماجة و التطرف،إذا علمنا أن الوظيفة الأولي و الأخيرة للعلماء هي كشف حقائق الطبيعة و صياغة قوانينها.أما تجاوز هذا الدور لتقرير حقائق عن الدين فهذه مغالطة خطيرة يجب علي العلماء الحقيقيين التخلص منها و التنزه عنها.فالعالِم المحترف لا يمكن أن يرضي لنفسه أن يتبني نظاما فكريا يهاجم الأديان بدعوي أن هجومه”علمي”!
و الخلاصة هي أنه علي العلماء ألا يشغلوا أنفسهم لا بإثبات وجود الله،و لا بعكس ذلك،حتي لو سُئلوا عن النتائج الدينية لمكتشفاتهم! و ليتركوا الأمر للمؤمنين و غيرهم ليستشعروا بطريقتهم الخاصة ما يدعم شعورهم الديني أو عكسه؛لأنه،ببساطة،لا توجد علاقة مباشرة بين عقائدنا الدينية و معتقداتنا العلمية،إلا في نفوس المؤمنين و الملحدين،فقط.