بقلم / الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بآداب الزقازيق…
تعد الأديان كلها نعمة إذا اُعتبرَت رسالاتها أنها دعوة للانزياح من عبادة الأشياء إلي عبادة أصل الأشياء،و من التمسك بالظواهر إلي التحكم فيها عن طريق معرفة أسبابها الحقيقية،و لا يكون ذلك إلا بالعلم بالمعني الحقيقي.إذن فالتدين الحقيقي هو-ببساطة-تَحرُّر من الأوهام.
و هذا يعني أن الإيمان بالله هو في الوقت نفسه إيمان بالعلم، أي أن البحث عن الأسباب الحقيقية عبادة أيضا،و لذلك خلق الله العقل لفهم الكون،و ما جعل الله المعجزات إلا استثناءات مؤقتة للقوانين الراسخة التي تسير حركات الأشياء، لإثبات قدرته علي عمل الشيء و ضده.و ما كان من الممكن أن تكون للمعجزات من قيمة إعجازية إلا لأنها تخرق استمرار سريان القوانين الثابتة للأشياء في اتجاه واحد فقط.
إذن فإن إرادة الله تجسدها قوانينه التي لا تقبل التبديل؛فإذا أردتَ أن تعرف إرادة الله فتعلَّم كيف تعمل الأشياء طبقا للقوانين،و إذا أردت أن تطيع الله فعليك باتباع قوانينه؛فالله لا يقبل الواسطة بمعني”الشفاعة”إلا لمن أطاع إرادته ممثلة في قوانينه،و بذلك لا يقبل الله شفاعة الدجالين،و لا المشعوذين،كما لم يقرر القرآن-و لا أي كتاب مقدس آخر-أن تسيير الأشياء أو تصريف الأمور الحياتية يمكن أن يكون بمجرد قراءة الآيات و لو بنيَّة العلاج.
و لكن المدلسين يخادعون السذج من الناس بأن معني “الشفاء” الوارد في القرآن يشمل العلاج الباطني و النفسي،برغم أن المقصود فقط هو العلاج الروحي،بمعني التحول من عبادة الأشياء إلي عبادة الخالق.
و الله هو الذي جعل لنا الطب و الدواء و جعل منا العلماء نأخذ بالأسباب الحقيقية و ليس بالأسباب الموهومة بلا دليل أدني عليها.فأليس هو القائل:
“وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) “(سورة الكهف،الآية83).
أي أن تمكين الله لنا إنما يكون بتعريفنا كيفية إدارة الأشياء بمعرفة أسبابها المادية.و إذا كان الله هو مالك مفاتيح الأشياء فقد أعطانا إياها و إن كنا مكلفين بالبحث عنها.إذن فالاستعانة بالأشياء علي الأشياء ليس شِركا بالله،بشرط اليقين بأن كل شيء مرده إلي الله.
و هكذا فقد خلق الله لنا العقل و فتح لنا من أبواب العلم ما يغنينا عن الأخذ بالأوهام.و بذلك يكون الكفر بالعقل هي أيضا كفر بالله،أو هو-علي الأقل- شرك به!