الوقاية من التطرف

WhatsApp Image 2020 09 28 at 2.47.08 PM

د.ظريف حسين..
أستاذ و رئيس قسم الفلسفة بآداب الزقازيق

    من المؤكد تاريخيا أن كل المجتمعات التي دعمت  نظمها  التعليمية و الثقافية بكل مناهج النقد التي توجب عدم التسليم الأعمي بكل ما يتلقاه الطلاب،مهما كان مصدره أو قائله،و مهما ترسخت قدمه و ذاعت شهرته،هي المجتمعات التي كان من نصيبها النهوض و صناعة الحضارة.
و العكس تماما في المجتمعات التي تعادي النقد العلمي و تنظر للمفكرين نظرتهم لمُجدِّفين ملاحدة ينبغي إعدامهم أو حرقهم أو سجنهم أو علي الأقل نفيهم من الأرض،و يشهد التاريخ بالعديد من الأحداث المخزية التي تعد إلي الأبد عارا يثير الخجل منه،في حق أبرز المفكرين،و خاصة في المجتمعات الإسلامية.
و النتيجة الحتمية هي الموت الحضاري للأمم بِداءِ الانغلاق الفكري و التسليم الأعمي و التزمت العقلي و الجمود العاطفي و التطرف و الإرهاب و الانهيار الذاتي.
و غرضي هنا هو التنبيه علي ضرورة تعزيزنا للجهاز المناعي  للمجتمع(أعني إيقاظ وعينا الثقافي)ضد التخلف و التطرف و الإرهاب،بتطوير المناهج التعليمية للتلاميذ في جميع مراحل التعليم،بحيث تعتمد أساسا علي النقد و مراجعة المعتقدات مهما كانت صارمة و عتيدة في الأدمغة،و خاصة مناهج طلاب الكليات العملية لأنهم محرومون-بحكم طبيعة المقررات العلمية الأساسية التي يتلقونها -من التمتع بالمرونة الفكرية المتوفرة بغزارة في مقررات العلوم الإنسانية،و خاصة دراسة الفلسفة،من حيث إنها الحاضنة الأولي للفكر النقدي.
و بإمكان الطلاب في هذه المراحل المبكرة أن يتعلموا مهارات التفكير الإبداعي،و يكتسبوا فضيلة التسامح الفكري و العقائدي و القبول بالإختلاف حتي مع ما يعتقدون بصحته المطلقة،برغم زيفه و بطلانه متي وُضِع علي محك النقد العلمي و الثقافي و التاريخي،بصفة خاصة.
فضلا عن وجوب تعزيز الدور الثقافي الجماهيري للمؤسسات المسئولة عن تشكيل الوعي الجمعي،و الاهتمام بنشر الآراء الفلسفية المختلفة و توفير مبادئ التفكير العلمي و المنطقي لجموع القراء،و إتاحتها لتلاميذ المدارس خاصة في المراحل الدراسية الأولي.
و كل هذا من شأنه وضع مجتمعاتنا الوضع المناسب لها حضاريا،و تجنيبها المآسي الناجمة عن سيادة الوعي الأسطوري المتخلف،و إساءة فهم المبادئ السامية للأديان،كما هو سائد في قطاعات من الشباب المتأثر بالفكر التكفيري الهمجي الدموي التي تجسده جماعات دينية مدفوعة بمختلف التوجهات الشائهة و بشتي المنطلقات المنحرفة.
و الآن:فلتحيا الفلسفة ذلك الدواء الناجع الذي يتجاهل الجهال تعاطيه(عن عمد) برغم أن شفاءهم فيه!