كانت المقابر اليهودية تنقسم إلى قسمين ، أحدهما مخصص لدفن الموتى من رجال الدين وغيرهم من علية القوم .وسمي هذا القسم بمرور الزمن بأسماء متعددة ،منها حوش الرانيين ، وحوش الحاخامين، وأخيرا حوش موصيري ، بعد أن اقتطعت منه عائلة موصيري جزءا لدفن موتاها .
وقد حظي حوش موصيري بأهمية كبيرة لكونه مدفنا للموتى من كبار اليهود في مصر ، من ناحية، ولاحتوائه على مغارات لدفن الكتابات المقدسة البالية من الاستخدام ، لتبلى بطريقة طبيعية ، شأنها شأن جثث الموتى، باعتبار أن هذه الكتابات تحتوي على حروف اسم الرب ، الذي أوصى في التوراة( سفر التثنية 12 : 3-4) بتحطيم أصنام الآلهة الوثنية ومحمو أسمائها ،وعدم فعل ذلك مع اسمه . ويطلق على تلك المغارات الاسم “جنيزا “،وكذلك على ما فيها من مواد .
ومن أهم الشخصيات اليهودية المدفونة في المقابر اليهودية بالبساتين،الموتى من عائلات موصيري، ورولو،ومنشة، وسوارس،وشيكوريل، وعدس ،وساسون،وقطاوي ،وغيرها الكثير .وهي العائلات اليهودية التي عاشت في مصر منذ القرن الثامن عشر. ووهناك الكثير من المقابر التي تضم رفات شخصيات يهودية شهيرة، تعود إلى عهود قديمة ،ولكن لسوء الحظ من الصعوبة بمكان الاستدلال على أسمائها بصورة دقيقة ، نظرا لاندثار شواهد القبور، التي كانت تحمل بيانات تلك الشخصيات.
ترجع أهمية المقابر اليهودية في البساتين، من الناحية الدينية والعقائدية، إلى ما تذكره المصادر اليهودية من أنها تحظي بالمرتبة الثانية في الأهمية ، بعد المقابر اليهودية في جبل الزيتون بمدينة القدس،الي سوف يبعث ما فيها من الموتى أولا ، يليهم انبعاث الموتى اليهود في مقابر البساتين .
شواهد القبور الموجودة حاليا بالمقابر اليهودية، ولا سيما شواهد القبور في المقابر الخاصة بالموتى من علية القوم ،تحظى بأهمية كبيرة. فالشريعة اليهودية تحرص على نصب شاهد قبر للميت خلال ثلاثين يوما من تاريخ الوفاة ، ويتساوى في ذلك الموتى من الأطفال والكبار . وتحرص الشريعة على نقش بيانات وافية عن الميت في شاهد قبره . بحيث يكون الشاهد بمثابة أيقونة في جهاز حاسب آلي ، تظهر بمجرد الضغط عليها، كل ما يتعلق بالميت من بيانات ، اسمه وعائلته وتاريخ وفاته وعبارات تأبين ورثاء ، مقتبسة من التوراة وغيرها من المصادر اليهودية الأخرى. علاوة على الرموز والزخارف النباتية والهندسية، التى تجسد المعتقدات اليهودية ،الأمر الذي يجعل من شواهد القبور اليهودية بمثابة متحف مفتوح ، يستقي منه رواد المقابر معلومات ثقافية عن الأحوال الاقتصادية والأنساب ، ومدى صلات القرابة والمصاهرة بين العائلات اليهودية المختلفة. كما يمكن التعرف من خلال بعض شواهد القبور على متوسط أعمار الموتى وأسباب الوفيات .
ومن الرموز المنحوتة على شواهد القبور اليهودية،نذكر على سبيل المثال ،لا الحصر :الدائرة ،وهي من العناصر المذكورة، في التوراة ،وترمز إلى العالم ،ووجه المقارنة هنا هو أن الدائرة مثلها مثل العالم ، ليس لها بداية ونهاية محددة.ورمز الشمس وهو يرمز إلى بركة مشهورة في العقيدة اليهودية ،تسمى “بركة الشمس” ،وهي صلوات وأدعية تتلى في موعد يحل كل 28 سنة ، وهذه المدة هي التي تقطع فيها الشمس دورة كاملة ، تبدأ من النقطة التي بدأت الشمس منها حركتها في بدء الخليقة ،حتى تعود إلى تلك النقطة مرة أخرى . من الرموز أيضا وشاح التوراة وتاج التوراة ، وغير ذلك الكثير .وفوق ذلك كله تعتبر شواهد القبور مصدرا من مصادر كتابة التاريخ ، قد تحوي معلومات تفتقر إليها المصادر التاريخية الأخرى .
بما أن المقابر اليهودية في البساتين هي لدفن الموتي من اليهود ، ودفن الكتب والكتابات المقدسة التي لم تعد صالحة للاستخدام ، المعروفة ب ” الجنيزا “،فإن لكل من نوعي الدفن هذين طقوسه الخاصة به. فعندما يموت اليهودي ، يحصل ذووه على تصريح ببناء قبر له في المقابر. و تتكفل بتجهيزه ودفنه جمعية خاصة بدفن الموتى، تعرف بالعبرية ” حفرا قاديشا ” ويشيع جثمانه في موكب جنائزي إلى المقابر، حيث يتم دفنه وتتلى على قبره صلوات خاصة تسمى بالعبرية ” قاديش ” وهي عبارة عن صلوات وأدعية من كتاب العهد القديم . ثم يقف ذوي الميت لتقبل العزاء ، الذي يستمر في بيت الميت سبعة أيام ، كمرحلة أولى تتلوها مرحلة أخرى تصل بإجمالي أيام الحداد إلى ثلاثين يوما . يتم خلالها إعداد شاهد قبر للميت، وإقامته على قبره خلال تلك الأيام الثلاثين. ويتساوى في ذلك الطفل الرضيع مع الشخص الكبير.لأن شاهد القبر هو من ثوابت العقيدة اليهودية. وقبل خروج المشيعين من المقابر يقوم كل منهم بالتطهر بغسل يديه ، لأن المقابر تعد من الأماكن النجسة .
ويذكر أن اليهود خارج فلسطين يحرصون على دفن موتاهم في فلسطين ، ولذا عندما تتهيأ الفرصة يقوم ذوي الميت بنقل رفاته إلى هناك . وهناك اعتقاد لدى اليهود أن الميت منهم خارج فلسطين قد يزحف تحت الأرض ، ويستمر في الزحف إلى أن يصل إلى الأرض المقدسة. ولذا يقوم بعض اليهود بجلب تراب من فلسطين ونثره على قبر الميت حتى لا يقوم بعملية الزحف .
وأما بالنسبة للكتابات المقدسة الغير صالحة للاستخدام ” الجنيزا” فيتم تجميعها في أماكن خاصة في كل معبد، تسمى جنيزا مؤقتة. بعد امتلاء ذلك المكان ، الذي لا يمتلئ قبل مرور سنوات طويلة ،حسب سعته، قد تصل إلى الألف سنة ، كما كان الحال بالنسبة لمعبد ابن عزرا بمصر القديمة.يقوم مسؤول المعبد بالإعلان عن موعد نقل الجنيزة إلى المقابر، وهذا الإعلان يسمى يوم الجنيزة. يتم تعبئة المواد المقدسة البالية في أكياس من الخيش، وحملهل إلى المقابر في موكب جنائزي احتفالي مهيب . وفي المقابر تتلى عليها مراسم خاصة بها ثم تدفن في المغارات الخاصة بها ” الجنيزا “.