بسمة الزمن الهارب …

بسمة الزمن الهارب ...
بسمة الزمن الهارب ...

بسمة الزمن الهارب …

إمضاء : الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي….

كلما جلستْ ذاتي إلى ذاتي، وتعانق في مرآتي شتاتُ أوقاتي، ورأيت اللحظات تعدو لتلحق عابر سنواتي، وشدني ما فيها من تقاطعات وتعارضات بين ما توارى وما هو آت… كلما حدث هذا، والذي يوازيه، والذي يعاكسه، أرى الذات تتلوّن وتتغيّر وتتشكل… تتلون بألوان أعرفها ولا أعرفها… وتتغير تغيرا فيه الإزعاج والإحراج وما ينجم عن تصادمات الأبراج وتعاقبات الأمواج وتعاركات الأفواج في مختلف الامتدادات والفجاج … وتتشكل كآلليل والنهار حينا، وكالنثر والأشعار حينا، وكالرمل والأحجار حينا، وككل شيء من لاشيء حينا… مرة تكون طودا عظيما يعلو

قممه المتناظرة تراكم الثلوج وبعضُ الغيم المتسابق في زمهرير الرياح الغاضبة، وفي سفحه تَجلس بوقار صخور ضخمة وشجيرات كئيبات أين يخيم الهدوء الآتي من غيب الهدوء…

ومرة تكون لحنا سمفونيا مركبا من مقاطع بشائرية، ومقاطع جنائزية، ومقاطع يقطر الدم من أنينها، ومقاطع ينبت الزهر في حنينها، ومقاطع يجتمع فيها الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، ومقاطع ذات أهوال وأغوال وأبطال وأطلال و سؤال خلفه ألف سؤال،

ومقاطع أخرى ذكرتها الأسفار ونسيت عزفها الأوتار…ومرة تكون سحر ساحر، وأزمة شاعر، ولهفة خاطر خلف غائب حاضر، وأحلام صبْية داهمهم الشيب ثم الموت ثم البعث ثم الموت في جو مشحون بسجايا الفناء و توالد البشائر…

ومرة تكون ناقوسا أنيقا حوله الأجراس، وثغرا منيعا حوله الحراس، ويافعا تلميذا بين يديه الكراس، وذئبا يعوي في صدى الفضاءات الصامتة قبل أن يداهمه النعاس،

ووشما خرافيا في يد عجوز قالت تجاعيده : هكذا همُ الناس… ومرة تكون زنبقة سوداء، وقافلة خلفها حداء، وراية ترفرف في شاهق السماء، وخطوطا جنونية فيه الداء والدواء والماء والهواء والكثير من عتمات الإغراء و خطابات السناء والجلاء والبلاء… وتتعدد المرات، و تتعدد الرؤى الراسمات، وأنا أبتسم مُدْلهمّا بين المرات المتداخلات المتواليات، ومع كل بسمة يبتسم الزمن الهارب دون ابتسام، و لا كلام، ولا ما ترويه ذاكرة الهروب في تلافيف الأيام والأعوام …