بين الديمقراطية و الشوري!

FB IMG 1610864342157 1

بقلم / الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بآداب الزقازيق…
إنه إذا كان معني الديمقراطية هو حكم الأغلبية بغض النظر عن نوعياتهم،أي أنها لا تعترف إلا بالكم لا بالكيف،فإن الشوري تعني أحد معنيين:
١-معني مطلق،و هو المعني الذي قصده القرآن منها:”و أمرهم شوري بينهم”.و هو توجيه من الله بضرورة عدم انفراد آحاد الناس بالرأي،و بالتالي بالحكم.
و هذا المعني كما نراه معني سلبي،أي أن غرضه هو مجرد منع “حكم الفرد” مهما كان.
٢-معني نسبي،و هو معني إيجابي،أي أنه يحدد”نوعية جماعة الحكم”،و يحصرها في هيئة معينة،فقد يكونوا من أهل الاختصاصات العلمية المختلفة و الذين يتمتعون بخبرات تؤهلهم لحل المشكلات،أي أنهم بالمصطلح المعاصر “الاستشاريون التكنوقراط”،

و قد يسموْن أحيانا في بعض الكتابات بـ” أهل الحل و العقد”،الذين قد يشكلون طبقة اجتماعية كطبقة النبلاء،أو علي العكس من ذلك،طبقة العمال كما بالمفهوم الشيوعي في القرن الماضي.
و من الملاحظ أن المعني المطلق للشوري يتساوي مع ما نعرفه الآن من معني الديمقراطية، بينما المعني النسبي لها فيضارع حكم الأقلية المميزة أو الصفوة طبقا لمفهوم “الاصطفاء”.
و من استقراء الممارسات التاريخية للدولة الإسلامية لم نعثر علي أي أثر للمعني المطلق للشوري مهما اختلفت العائلات التي توارثت الحكم،نظرا لخشية تلك الأسرة من تأثير الدخلاء علي سلطة الحكام،و ذلك ببساطة لأنها كانت أنظمة ملكية تستمد شرعيتها من الوراثة،و بذلك كانت استبعادية و لا تحتمل المعارضة من أي نوع.
و بذلك ظلت الممارسات الشورية-إن وجدت- محصورة داخل البلاط الملكي،أي الوزراء فقط،و بما يحقق رغبة الملوك في توطيد دعائم حكمهم و توريثه للأبد مهما يكن من أمر.
و حديثا أصبح لمفهوم” الصفوة”معني خطير،فقد انحصر في جماعة من مدعي العلم الإلهي، سواء أكان هذا العلم موروثا روحيا أم بيولوجيا،كما في حالة آيات الله الشيعية،أم كان علما مكتسبا كما في حالة الجماعات السلفية التي نشأت عنها الجماعات الجهادية و التكفيرية و الإخوانية و الداعشية… إلخ.
و بدلا من أن يكون “الاصطفاء”مبنيا علي العلم الحقيقي القادر علي مجابهة التحديات الواقعية و حل مشكلات الناس و تحسين ظروفهم المعيشية،أصبح قائما علي التعصب لعقائد مصطنعة تثير الفتن و المشكلات الاجتماعية بدلا من ترسيخ الأمن الاجتماعي و السلم الأهلي.
و أخطر نتائج مفهوم الاصطفاء الزائف هو نزعته الانفصالية الانعزالية،بمعني ميل كل جماعة من الجماعات الدينية إلي أن تعزل نفسها عما سواها مدعية أنها الوحيدة المخلصة الخالصة لله،أي أنها هي وحدها حزب الله!
و بذلك تشتعل النزاعات فيما بينها من ناحية،و فيما بينها و بين بقية المجتمع من ناحية أخري،و هذا هو المقصود بـ”الهجرة الروحية”، أي الخروج علي مجتمع الوثنية أو الجاهلية،طبقا لمفهوم التكفيريين.
و يعد ذلك امتدادا طبيعيا لمفهوم الاصطفاء القديم،و هو اصطفاء الله للملوك.و لكن تظل المشكلة هي أن الله لم يصرح باسم أوليائه المستحقين للاصطفاء!و لكن أباطرة السياسة الذين يستخدمون الدين ركوبة لهم لا يعدمون الوسيلة لخداع العامة،و استغلال سذاجة بعض المتدينين!