بقلم : سحر محمد
خان الخليلى هذا المكان الساحر الذى يأتى إليه السائحين من جميع أنحاء العالم، فهو ليس مجرد مكان للتسوق بل هو مكان يحمل تاريخ عميق ملئ بالأحداث والمواقف ، كما أن هذا المكان ينم عن جمال وعظمة العمارة الإسلامية وفنونها وتألقها خاصة فى عصر دولة المماليك الذى يعتبر من أزهى العصور من الناحية المعمارية، فيحتوى هذا الخان على مشربيات جميلة تطل على الشوارع والحارت، ويحتوى أيضا على الأسبلة المشغول واجهتها بالنحاس وما بها من أحواض الماء، كما يحتوى على النقوش والزخارف التى تتزين بها الجدران .
فالخان فى العموم عبارة عن مبنى واسع مربع الشكل يتوسطه فناء، يوجد فى الطابق الأرضى منه مخازن ومتاجر وفى الطوابق العليا يوجد مخازن أخرى ومساكن للإقامة وكلها تفتح على الفناء، وقد إشتهرت مصر فى العصور الوسطى بالعديد من الخانات ولكن أهمها وأشهرها هو خان الخليلى فما هو خان الخليلى ؟
عندما دخل مصر جيش الفاطميين بقيادة جوهر الصقلى بناءا على أمر من الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى آراد جوهر إقامة مقرا للخليفة الفاطمى وحاشيته بعيدا عن مصر الفسطاط والتى كانت آهلة بالسكان، فإختار موقع رملى فسيح يقع بين الفسطاط جنوبا ويمتد إلى عين شمس( المطريه حاليا) شمالا، وقام ببناء قصرين قصر شرقى كبير لينزل فية الخليفة وأسرته وقصر غربى صغير، وبنى بالقرب من القصر الكبير جامع الذى عرف بالجامع الأزهر ثم أحاط هذا الموقع بسور كبير .
ولما قدم الخليفة المعز لدين الله فقد إستحضر معة من القيروان رفات ثلاثة من أسلافه وأعاد دفنهم فى مكان من جملة القصر الكبير وأطلق عليه إسم تربة الزعفران وهذا المكان كان جزء من خط الزراكشة العتيق، وأصبحت تلك التربة مقابر للخلفاء الفاطميين وأولادهم ونسائهم حيث دفن فيها الخليفة المعز نفسه وباقى خلفاؤه . وقد إستمرت التربة كذلك إلى زمن السلطان المملوكى السلطان برقوق الذى أسند إلى الأمير سيف الدين جهاركس الخليلى ( من مدينة الخليل الفلسطينية) أمير آخور السلطان ( أى المشرف على خيول السلطان) ببناء خان ووقفه للفقراء، فقام الخليلى بإخلاء المكان من رفاتهم وعظامهم وأمر بوضعها فى سلال وإلقائها بكيمان النفايات خارج باب البرقية شرقى المدينة بإعتبار هؤلاء الخلفاء زنادقة مغتصبين للسلطة .
والجدير بالذكر أنه كان فى موت الأمير جهاركس الخليلى عبرة لأولى الألباب بما فعله بهتك جثمان الأموات بهذه الطريقة حيث أنه خرج على رأس فرقة من جيش المماليك بأمر من السلطان برقوق لملاقاة نائب حلب ونائب ملطية اللذان خرجا بعساكرهم متجهين لدمشق فألتقى بهما الأمير جهاركس ولكن سرعان ما إنكسر جيشه ففر إلى قلعة دمشق ولكنه قتل وترك على الأرض عاريا وسوأته مكشوفة وإنتفخ جثمانه.
وقد أوقف الخان على عمل خبز يفرق على فقراء مكة حيث رغفين لكل شخص يوميا ، وإستمر هذا الحال لعدة سنوات إلى أن عظمت الأسعار فى مصر وتغيرت عملتها صار يحمل إلى مكة المال بدلا من الخبز ليوزع على الفقراء.
يتألف الخان من عدة شوارع قصيرة وضيقة ، ويوجد عدة مداخل للخان، وكان الخان خلال القرن التاسع عشر من الخانات المهمة وكان أكثر المتاجر ملكا للأتراك والتجار الأجانب، فقد كانت تعقد المزادات العامة فى هذا الخان يومى الأثنين والخميس، وكان يباع فيه السلع الأكثر طلبا بين أبناء الأتراك والأجانب مثل الملابس الجاهزة والشالات والأوشحة القسطنطينية المطرزة ، والحرير التركى ، كما يباع فيها السيوف وغيرها من الأسلحة ، وكان يحضر السوق عددا من السقائين وكذلك بائعى الحلوى والشربات .
وحاليا يمتاز الخان بكثرة حوانيته المتلاصقة ويباع فيه كل ما يرغب السائح فى شرائه بدءا من القطع الأثرية الفرعونية المقلدة بدقة ، والمشغولات النحاسية والأرابيسك إنتهاءا بالعباءات وبدل الرقص الشرقى التى تجذب السائحين من كل الجنسيات لإقتناء قطعة أو أكثر، ويوجد أيضا بالخان محلات الفضة التى تضم أرقى المشغولات الفضية التى لايوجد مثيلها خارج الخان، هذا بالإضافة إلى المصنوعات الجلدية والنحاسية ، ويشتهر الخان ببيع الأباجورات المصنوعة من الزجاج المعشق والزجاج البلدى والنارجيلة ( الشيشة العربى ) وكذلك العطور والبخور بكل أنواعها المستوردة والمصرية.
ويشتمل الخان على الحرف التقليدية والتراثية ومئات العمال والحرفين الذين يعملون بالحرف والصناعات اليدوية كصناعة السجاد والسبح والكريستال وصناعة البردى وصناعة الحلى.