( تحية لليوم العالمي للغة العربية )

131175349 3766449543418094 5164790627635600955 n

من أجل نهضة عربية جديدة ………………… محاورة عن بُعْد :

الأستاذ الإعلامية محجوبة عبدلي :

– ما هي العوامل التي تؤدي لنهضة الأقطار العربية ؟

الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي :كما لا يخفى على أحد؛ حاولت الأقطار العربية التأسيس لنهضة حديثة انطلاقا من القرن 19 م وطيلة القرن الماضي ولكن المحاولة انتهت إلى فشل ذريع تجسد في نكسة 1967 وما تلاها من يأس وقمع وفوضى وإرهاب وتدمير ذاتي/أجنبي مشترك في جميع قطاعات الحياة … وعوامل ذلك الفشل كنت قد عرضتها مفصلة في مقال سابق وسمته بـ “”النهضة العربية الحديثة … من أوهام النجاح إلى حقائق الفشل””، وهذا تذكير بها : 1 – المنطلق غير السليم

2 – شبه القطيعة مع الأنا التاريخي

3 – الانبهار بمساوئ الآخر المختلف

4 – خيانة النخب النهضوية

5 – العجز عن إيجاد مخرج

6 – تدمير الأنا بحثا عن الحل

وبانسجام مع رؤيتي الموضوعية للحياة يبدو لي أن التأسيس لنهضة الأقطار العربية في الألفية الجديدة لا يكون خارج تصحيح هذه العوامل مجتمعة بغير استثناء يذكر، وهذا كما يلي :

فبالنسبة للعامل الأول؛ لقد ساد قديما منطلقٌ سلطويُّ التمركز لادينيُّ التوجه غربيُّ النظر وأدى إلى الكارثة، والأمر السليم هو أن يسود منطلقٌ شعبيُّ التمركز دينيُّ التوجه عربيُّ النظر وهذا لتكون نهضة الأقطار العربية المؤسَّس لها رغبة عامة بعيدة عن تهميش الشعوب وغير متصادمة مع ثوابتها المجتمعية التي لا مساومة فيها ولا تنازل عنها ولا تطور خارجها.

وبالنسبة للعامل الثاني؛ في النهضة السابقة الفاشلة سعى تدريجيا أهل القرار المدعمون من الغرب اللاديني الاستعماري إلى التعدي على الدين الإسلامي واللغة العربية والوحدة الانتمائية الحضارية بالتوازي مع التعدي على التاريخ والجغرافيا والثروات والخصوصيات المختلفة وأدى هذان التعديان الصارخان إلى ما نحن فيه من مسخ وفسخ ونسخ، والصواب الذي لا بديل عنه هو استثمار هذه المقومات الأصيلة في بناء الإنسان العربي المعاصر كي لا يصبح عدوا لنفسه وعدوا لغيره ويدخل في اغتراب يهدم كل شيء.

وبالنسبة للعامل الثالث؛ في التجربة السابقة وبحكم انبهار المستضعف المغلوب على أمره بالمهيمن المسيطر على الحياة، لقد انخرط النهضويون في تقديس مدنسات المهيمن عليهم بتدنيس مقدساتهم التي اعتقدوا أنها سبب تخلفهم ولم يلتفتوا إلا نادرا إلى ما صنع قوة هذا المهيمن الطاغي وهكذا أصبحت الأزيائية التسطيحية بجميع انحرافاتها هي روح التحضر عندهم، والصحيح هو أن الانبهار بمساوئ الآخر المرتبطة بخصوصيته لا يصنع نهضة ولا حضارة لأن النهضة ثم الحضارة تنبعان من ذات المجتمعات المعنية بضرورتهما أو لا تنبعان أبدا حتى لو حدث الانبهار بما هو جيد عند الآخر.

وبالنسبة للعامل الرابع؛ خيانة معظم نخب النهضة السالفة – القصدية حينا واللاقصدية حينا – جاءت من العوامل السلبية المشار إليها أعلاه وترتب عليها انخراط النخب الخائنة في إرضاء الغرب المهيمن بغية تحقيق مصالحها الخاصة غير الشرعية والتخلي كليا أو جزئيا عن مصالح شعوبها ونتج عنها هوة تقاس بالسنوات الضوئية بين هذه النخب صاحبة القرار وشعوبها المقهورة بالحديد والنار والفقر والجهل والمرض والانحرافات التي لا يحدها حد معين. وسيكون تصحيح ذلك تلقائيا، ليس بتصفية بقايا هذه النخب التي كانت ضحية توجه سلطوي استبدادي غير شعبي، وإنما بتصحيح المنطلق وإلغاء شبه القطيعة وتجاوز التحضر الأزيائي المخاطب للغرائز والمنبهر بالشذوذ … وحين هذا التصحيح يصبح الإنسان النخبوي صاحب الرأي المسموع والقرار النافذ هو الكفء في مجاله، المرتبط بقيم انتمائه الوجودي، والعامل على خدمة شعبه وبلاده بمصداقية وشفافية.

وبالنسبة للعاملين الخامس والسادس؛ وجودهما كان نتيجة لنهضة فاشلة وسيسقط احتمالهما من جديد في النهضة الجديدة المأمولة إذا صححت ما يجب تصحيحه في مسار الأقطار العربية مجتمعة ومنفصلة خلال القرنين الأخيرين.

…………………………………

الأستاذ الإعلامية محجوبة عبدلي

: – ما علاقة اللغة العربية بِتقدم المجتمع العربي ؟

الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي : اللغة العربية هي وعاء وجود المجتمع العربي وإذا كُسِّرتْ سيحدث تكسير لهذا المجتمع في إجماله وتفصيله… لماذا ؟ … لأنها الرابط الرئيس بين هذا المجتمع وبين الدين الإسلامي – مقومه الأساس -، بينه وبين أناه الجَمْعي القادم من جذور تكوينه، بينه وبين تراثه الحافظ لهويته، بينه وبين روح واقعه التي لا يمكن تغييرها بجرة قلم ولا بألف جرة وجرة كما حاول الاستعمار ذلك، بينه وبين طموحه المشروع الذي يريده أن يبقى حاضرا في صناعة التاريخ ولا حضور له إلا ببقاء “” الأنا العربي “” المنماز بلغته أساسا وتأسيسا وتطورا تاريخيا في مقابل “” الآخر المختلف “” المنماز بلسانه وغيره من الاختلافات.من هنا فعبارة ” المجتمع العربي ” لا معنى لها إلا بوجود اللسان العربي في مستويين، أولهما اللغة العربية الفصحى في المعرفة الدينية والمعرفة الدنيوية بصورتيهما الشموليتين الرسميتين الرابطتين بين جميع جزئيات هذا الكل الكبير، وثانيهما اللهجات العربية الدارجة المتولدة عن الفصحى والقريبة منها روحا وتركيبا ومعنى في الغالب ضمن الأوساط الشعبية في تعبيرها عن بعض حاجاتها اليومية العادية.

والتقدم الوحيد الذي تحيل عليه دلالة اللفظ بالتمام والكمال وفي إطار الخصوصية وعدم الذوبان في الآخر المختلف المهيمن حاليا لن يحدث عند العرب إلا بلغتهم العربية الفصحى … وإن حاولوا بغيرها سيكون مصيرهم التبعية لغيرهم والذوبان فيه تدريجيا إلى غاية الخروج النهائي من مسرح التاريخ.مع الإشارة – للانهزاميين والمتآمرين معاً – إلى أن اللغة العربية الفصحى غير قابلة للهزيمة والانقراض والخروج من التاريخ.

وهذا بحكم دينيتها الثابتة عند الخاص والعام من المنصفين والمنصفات، أولاً … وبحكم ثرائها وشموليتها وسعتها ودقتها وتربعها على عرش ترتيب جميع اللغات من غير منافسة لها، ثانياً …

وبحكم أقدميتها في الظهور بوجه مكتمل على وجه الأرض واستمرارها المتواصل في التاريخ الطويل العريض من غير قطيعة كما ذكر العلماء ذلك،

ثالثاً ….

وبحكم تراثها الضخم الفخم الذي ما ترك شاردة ولا واردة إلا وتناولها بجميع أوجه التناول، رابعاً …

وبحكم جمالها الفني الذي فاق كل جمال حين الحديث عن نبضات القلب الولهان ووساوس الروح القلقة ومعاناة الإنسان وغير الإنسان ضمن تعاقبات الليل والنهار في واقعيات وغرائبيات كانت الحياة حياة بها، خامساً … وبحكم قدرتها البالغة على استعراب روح هذا العصر التكنولوجي – بدليل حوسبتها في وقت قياسي – والمساهمة الفاعلة في جميع حيثيات ما نستقبل من الزمان وذلك بفعل جمهرة من أبنائها الأوفياء وبناتها الوفيات في الأقطار العربية كلها والمهاجر المتعددة من الذين جمعوا بين الدين والعلم والثقافة وجرأة أسلافهم الميامين وإرادة الإنسان النابع من ذاكرة الصحراء وهم يشتغلون دون ثرثرة ولا بهرجة من أجل غد أحسن وأجمل بمشيئة الله تبارك وتعالى، وعونه وتوفيقه سبحانه، سادساً وأخيراً.

…………………………………

الأستاذ الإعلامية محجوبة عبدلي : –

لِتحقيق الاستنهاض العربي هل ينبغي اقتباس عناصر نهضة المجتمع الغربي ؟

؟الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي : منذ تكوين الجماعات البشرية الأولى في التاريخ الإنساني بدأ التأثير والتأثر بينها وتبادل الخبرات – بقصد حينا ومن دونه أحيانا – وهو مستمر بين المجتمعات المعاصرة بتفاعل أكبر وتجليات واضحة. والمجتمع العربي ما خرج قديما حتى في أزمنة قوته الحضارية ولن يخرج في مستقبل الزمان عن هذه الظاهرة العامة … فالتأثير والتأثر قائمان والتفاعل سلبا وإيجابا قائم أيضا … والسؤال المطروح هو : ماذا نقتبس وماذا نترك، بخاصة إذا كانت العملية مبرمجة ؟والأمر المنطقي الأول هو ألّا نقتبس ماهو ضار لنا ماديا أو معنويا، وما يهدم هويتنا ووحدتنا ويتعارض مع قيمنا في الحياة، وما ينتزع منا حريتنا وسيادتنا وثرواتنا بكل أنواعها. فلا يعقل مثلا أن نسمح بتناول المخدرات أو ممارسة الشذوذ الجنسي أو الإجهاض لسبب غير طبي أو المخادنة أو التعدي على رموز الأمة وثوابتها التأسيسية أو النزعة الاستعمارية أو فلسفة التمييز العنصري وما يجري هذا المجرى فقط لأنه مسموح به في البلد الغربي س أو ص المعتنق لحرية مريضة متطرفة جعلت أكثرية سكانه من اللقطاء ونسبة عالية من شعبه تفكر في الانتحار صباح مساء.

والأمر المنطقي الثاني هو ألّا نقتبس ما هو موجود عندنا، إذ وجود الشيء يلغي مجرد التفكير في اقتباسه من الآخر، مثلا نحن نملك مدرسة عربية إسلامية عمرها 15 قرنا وعندما سعينا إلى نهضة حديثة في القرن 19م أهملنا كل منجزها العلمي الثقافي الحضاري التربوي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وتربّع على ثلاث قارّات طيلة أحقاب وأحقاب في مختلف مجالات الحياة المتحضرة المتلائمة مع الإنسان المكرّم ثم هرولنا – من غير بصر ولا بصيرة – نحو الآخر لنستورد مدرسته الخاصة به بفرح وسرور والنتيجة هي أنها صنعت من الذين ارتادوها من غير زاد محلي أعداء كبارا لأنفسهم وهويتهم وتاريخهم وبلادهم وهكذ أصبح التعليم الحديث في صورته التغريبية المعادية لجوهر الوجود العربي الإسلامي نقمة لا نعمة.

وبالمقايل لهذين الأمرين المنطقيين يبقى المجال مفتوحا على تجارب الشعوب المختلفة – باستثناء الغرب المهيمن ذي النزوع الإجرامي وامتداداته الإجرامية في العالم كله – وذلك لدراستها ومحاورتها ونقدها والاستفادة منها بمقدار وعقل من غير تقليد أعمى ولا تبعية تحت أي مسمى من مسمياتها.وحتى تتضح أسباب استثنائي للغرب المجرم وامتداداته الإجرامية؛ أضع أمام المهتمين والمهتمات أهم العناصر المشكِّلة لإستراتيجيته الحالية والمستقبلية،

وهي:

ولا : الغرب المعني الذي يقود ” العولمة ” بمنظور ” نهاية التاريخ ” يتبنى كليّا وبصورة نهائية ” الرأسمالية العابرة للقارات “، وهذه الرأسمالية العالمية المتوحشة بمنظورها الهادف إلى مركزة المال والعلم والتقنية وجميع أنواع القوة في الغرب وامتداداته دون سواه من أجل السيطرة المطلقة على الكون خدمة للإنسان الأبيض ذي الجذور اليهودية المسيحية دينيا والإغريقية اللاتينية ثقافيا لا يخدم إلا أهله ولا يهادن إلا من ذاب فيه ذوبانا تاما من أهل الأطراف … وبالطبع نحن من أهل الأطراف الذين لهم حق الاختيار بين التبعية للمركز أو الإبادة تدريجيا.

ثانيا : بعد الاستعمار التقليدي الذي أصبح مكلفا وتجاوزه تطور الحياة؛ لقد ابتكر هذا الغرب الطاغي وامتداداته الشبيهة به ما يسمى بـ ” الحرب الضرورية ” وذلك لحماية الرأسمالية العابرة للقارات في كل مكان يمثل خطورة عليها وبأقل الأضرار الممكنة في صفه … وبعد أن تم أو كاد أن يتم القضاء على المشروع اليساري الذي كان منافسا لمشروع الهيمنة الغربية منفردة، لقد تقرر القضاء على كل مشروع يحتمل أن يكون منافسا بمنهجه وقدراته في المستقبل …وبالطبع نحن ننتمي إلى أهم مشروع قابل لمنافسة الغرب وهو المشروع العربي الإسلامي، وبالتالي فالحرب الضرورية مشتعلة في أوساطنا مشرقا ومغربا وهي في توسع مستمر.

ثالثا : اعتماد الديمقراطية السائرة في ركاب اللوبيات الماسونية الصهيونية الصليبية وسلطة المال المنهوب من إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية من أجل خدمة الإنسان الأبيض الغني وحده وترك البقية – بما في ذلك الإنسان الأبيض الفقير -في هوامش الحياة التي لا يمكن تسميتها بالحياة إلا من باب المجاز …وبالطبع نحن جزء من الذين ينتمون إلى هذه الحياة المجازية وليس لهم حق اختيار شكل آخر من أنواع الحكم الذي يحافظ على وجودهم وكرامتهم وخصوصيتهم.

رابعا : اعتناق العلمانية في صورتها الظاهرة أو في صورتها المستترة وذلك لتحرير الشهوات والنزوات وجميع الشذوذات باسم الحرية المريضة المتطرفة التي تلغي من الإنسان إنسانيته المكرّمة وتهوي به إلى مستوى بهيمية الأنعام حتى يسهل ترويضه وانقياده وتبعيته للمركز الغربي ذي الهيمنة على المال والسلطة وعناصر القوة … وبالطبع نحن نندرج ضمن الإنسانية المكرّمة التي يسعى الغرب الطاغي وامتدادته إلى تجريدها من هذه الصفة بكل الوسائل الممكنه وعلى رأسها العلمانية حتى تخضع له وتذوب في مشروع حضارته المتوحشة دونما أدنى حرج ومن غير مقدار ذرة من المقاومة.

وفي الختام أقول : الغرب بمعظم أطيافة الفاعلة في التاريخ الحديث والمعاصر والمهيمنة عليه بقوة السلاح المدمر والمؤامرات الماكرة والسياسات العنصرية الاستعبادية والرغبات المادية التي لا تقف عند حدٍّ ولا تحترم في مسارها أحداً كان وما يزال متواجدا بيننا بأشكال مختلفة ولم نجنِ من نظرته الغريبة للحياة وممارساته الاستعلائية الاستعمارية وسلوكاته الشاذة وإيمانه بنفسه فقط بوصفه المركز السيد دون غيره بوصفهم الأطراف القابلة للتبعية والذوبان، أقول لم نجن منه إلا ما نحن فيه دمار وتخلف وفوضى وضعف عام. ومن كانت هذه بطاقته التعريفية الحقيقية فلا يمكن أن تكون له يد طيبة في استنهاضنا اليوم أوغدا… بل لا استنهاض لنا إلا بالتخلص منه ومن مصائبه نهائيا، ولو كلفنا ذلك ثورات تحريرية متزامنة متعاقبة في جميع مجالات الحياة إلى أن يبلغ القصد مداه … وهذه الثورات هي أكبرالأسس وأهم الأجزاء في الاستنهاض الذي يفكر فيه الإنسان العربي المسلم الذي لم يتخل ولن يتخلى عن إنسانيته وعروبته وإسلامه، مهما كان ثمن ذلك.