بقلم / سحر عبد العاطى
يطلق عليه الجامع العتيق أو تاج الجوامع أو جامع عمرو، حيث تكمن أهميته فى أنه أول جامع بنى فى إفريقيا، وتتمثل فيه فنون العمارة من العصور المختلفة.
فبعد نجاح عمرو بن العاص من فتح سواحل الشام إتجه إلي حصار بيت المقدس وكانت تحت حكم الروم فى ذلك الوقت، وقد شدد عمرو الحصار عليها حتى يئس حاكمها أريطيون ( داهية الروم) كما كان يطلق عليه وفر إلي مصر، ونجح عمرو من دخول بيت المقدس وأصبحت القدس دولة إسلامية.
ولكن عمرو بن العاص لم يهدأ حيث تطلعت نفسه إلي فتح أعظم وأخطر وهو فتح مصر فذهب إلي أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضى الله عنه ليقنعه بذلك الأمر، وكان عمربن الخطاب يعلم تماماً أهمية هذا الأمر خاصةً أنه كان على يقين أن أريطيون عندما فر إلي مصر كان ليجمع قوة الدولة الرومانية ويهاجم بها الشام، فكان يعلم جيداً أنه لا أمان للمسلمين فى فلسطين والشام والحجاز وباب هذا الخطر مفتوح ، فلامفر من ضرب الدولة الرومانية فى مصر. فأذن الفاروق لعمرو بن العاص بالسير إلي مصر وفتحها .
وبالفعل دخل عمرو بن العاص مصر حتى وصل إلى حصن بابليون وهو الذى تحصن به الجنود الرومان، فحاصره جيوش المسلمين عدة شهور إلى أن استسلم الرومان وتركوا الحصن وفروا إلى الإسكندرية فتابعهم عمرو إلى أن خرجوا من مصر نهائياً، وقد آرد عمرو أن يتخذ مدينة الإسكندرية عاصمة للمسلمين لكن الخليفة عمرو بن الخطاب رفض، فعاد عمرو إلى مكان حصن بابليون وأقام فى هذه الموقع مدينة لتكون عاصمة للبلاد ومركز للمسلمين وأطلق عليها اسم الفسطاط حيث كانت أول عاصمة إسلامية لمصر، وكان أول ما بدأ بناؤه فى هذه البقعة هو المسجد ( إسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة المنورة) وكان تخطيط الفسطاط على أن يكون الجامع فى وسط المدينة وكان طوله 25 متر وعرضه 15م ، وكان يشرف على النيل من الجهة الشرقية وأخذ مجرى النيل ينتقل تدريجياً نحو الغرب حتى صار يبعد عن الجامع نحو 500متر.
كان يؤدى فيه المسلمين صلاة الجمعة والصلوات الخمس كما كان يقام فيه دروس العلم وحفظ القرآن الكريم، وقد بنى من الطوب اللبن و سقفه من الجريد وأعمدته من جذوع النخل بالإضافة إلي بئر عرفت باسم البستان وكان يستخدمها المصلون للوضوء.
وفى عهد الخليفة معاوية بن أبى سفيان تم توسعة المسجد وإضافة بعض الزخارف إلي الجدران، وأنشأ أربع صوامع للمؤذنين حتى يصل الآذان إلي أبعد مصلى كما فرشت أرضيته بالحصر.
وفى زمن الخليفة العاضد لدين الله الفاطمى قام وزيره شاور بن مجير بحرق مدينة الفسطاط خوفاً من إستيلاء الصليبين عليها وبالتالى تعرض الجامع للحريق والتخريب ، لكن عندما تولى صلاح الدين الأيوبى حكم مصر أمر بترميم الجامع وإعادة بناء ما تهدم منه وإعادة النقوش كما كانت.
فى سنة 1211هـ قام الأمير محمد بك بهدم الجامع كله وأعاد بناؤه على غير النظام القديم وتلاشت عناصره المعمارية والزخرفية، فأصبح المسجد عبارة عن صحن كبير خلفه رواق القبلة وفى وسط الصحن قبة صغيرة .
وفى سنة 1899م قام ديوان الأوقاف بتجديد سقف الإيوان القبلى وبعض من الإيوان الغربى ، وإقيمت جدرانه وفرشت أرضيته بالبلاط ، وفى سنة 1940م قامت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاح شامل بالجامع وقد كشفت فى أثناء هذا العمل عدة أجزاء أثرية فى الجامع كأبوابه الشرقية وثلاثة أبواب من الأبواب الأربعة فى الجانب الغربى.
ويعلو المسجد حالياً مئذنتان قصيرتان من الطراز العثمانى إحداهما فى الواجهة عند المدخل والثانية فوق الزاوية القديمة ، ويوجد بداخله ضريح عبد الله بن عمروبن العاص.