بقلم : طارق سالم
محور النفس هو القلب تدور حوله وتتقيد بقيده فتنصلح بصلاحه وتأتمر بأمره .
يتفق العارفون والعقلاء والناس عامة على أن نجاح الأمة من نجاح الفرد ونجاح الأمم من نجاح الأمة المجتمع ينجح بنجاح أفراده والفرد يسموا بسمو مجتمعه وإن أي تقصير يطرأ على الفرد فإنه يؤثر بالمجتمع كما الخلل الذي يحيط بالأمة تصاب به الأمم وهكذا حال البشر نحن نتأثر ببعضنا البعض كما الكون يتأثر بوجودنا كما الحياة لا تحيى بدون الكائنات الإنسان الناجح هو الذي يحول السلبيات التي تهدده إلى إيجابيات والمجتمع الناجح كذلك يحول المخاوف التي تهدده إلى سلام وأمن والأمم الناجحة تحول الكوارث التي تحيطها إلى تقدم ونهضة
نفوسنا البشرية هي عوالم عميقة في داخل كل واحد منا لها حياتها واسرارها ومكنوناتها لا تطلع عليها أحدا ايا كان ومهما أطلعت فلن تطلعه على كل خفي بل سيبقى اشياء كثيرة في عمقها وخفائها وسلوكنا الظاهر إنما هو انكاس لما في النفس حتى سلوك الماكرين إنما هو انعكاس لمكرهم حى لو أظهروا غيره ولكل سلوك من خلفه دافعية نفسية تحركه أو تخمده أوتحمسه .
عندما يكون العنوان عن الحديث عن النفس البشرية قد يخطر ببال البعض أن هذا هو نوع من الانفصام في الشخصية البشرية أو أن النفس قد تدوم على حال واحدة فيطلق عليها مسمى واحد منذ النشأة ولكن الأمر ليس كذلك أنها نفس واحدة أحيانًا ترتقي فتكون في أعلى مراتب الارتقاء وأحيانًا تنحني فتصل إلى أدنى مراتب الانحناء فهي تعلو أحيانًا وتقوى وأحيانًا تضعف وأحيانًا تسود وتقود فالثبات الدائم ليس هو السمة الغالبة على النفس الإنسانية .
* والعالم النفسي لكل منا قد صبغت جوانبه بلونه المتميزوصيغت فيه أحلامه وآلامه ورغباته وطموحاته وخطت فيه خطوط مسيرته نحو الخير أو الشر وتجاه النفع أو الإفساد ووضعت فيه المبادىء والقيم والدوافع والمعوقات ومفاتيح الخصوصية الشخصية له كل ذلك بشفرة خاصة قد يعلمها المرء عن ذاته وقد يخفى عليه كثير منها فقد يبدو البعض منطويا كئيبا ويبدو الآخر منفتحا مستبشرا ويبادر امرئ بالتضحيات الجسام ويبخل آخر بكسرة خبز ويقود أحدهم الجيوش نحو الانتصار ويعجز كثيرون عن قيادة أسرهم وتوجيه أبنائه ويبلغ امرىء علما يضىء به الدنيا ويتعثر آخر في بقعة الجهل حتى يفنى .
• والعالم النفسي للإنسان عالم لا يستحيل تغييره بل يمكن التأثير في عناصره بالصلاح والنفع ويمكن هدايته بالنور والخير وهو مدخل الأنبياء والمصلحين إلى الشخصية البشرية كما يمكن التأثير فيه سلبا بالغواية والإضلال وهو مدخل الشياطين إليها وهذه الإمكانية التي جعلها الله صفة متحققة في النفس البشرية قد اعتبرتها الشرائع محورا للثواب والعقاب في الدنيا والآخرة بل بين سبحانه أنها مدار الفلاح أوالخسران إذ قال سبحانه : ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “.
• يقودنا ذلك وغيره إلى أنه لا يمكننا في أي مجال من مجالات الحياة الإنسانية نريد إصلاحه أو تغييره أو تعديله أن نقوم بذلك بمنأى عن الاعتبار النفسي للشخصية وأن كل تخطيط يهمل التهيئة النفسية فهو تخطيط معرض للفشل ستنتج عنه الثغرات السلبية التي قريبا ما تتسبب في هدمه وإنهائه
• وقد جرب العالم عبر السنين أساليب وطرقا ووسائل وأدوات للتأثير في العالم النفسي للإنسان سعيا وراء التأثير في سلوكه وكانت النتيجة في منتهى الغرابة فقد أفلح التأثير النفسي في الإنسان بطرائق ومناهج ووسائل مختلفة في جانب الشر وتبين فشله الذريع في جوانب الخير أفلح في جذبه للخطر والضرر والشهوة والحرام والممنوع عرفا وقيمة ومبادئا والمستنكر شريعة وعلما بل قد أفلح في دفعه نحو تغيير طبائع خلقته إلى مسخ عديم الملامح ..
• لكنه فشل أن يصلحه أو أن يصلح به وفشل أن يهديه أو يهدي به وفشل أن يدفعه لمكارم الأخلاق ومعالى الصفات فشل في ذلك لأنه لم يعثر لذلك على وسيلة من وسائله ولا منهاج من مناهجه المخترعة كما أن الفشل في الإصلاح سببه البحث عن التأثير بعيدا عن منهاج النبوات الذين أرسلهم الله سبحانه بالهدى والنور وختمهم بشريعته المهيمنة وبرسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم .
• إنّ لإصلاح النفس وتربيتها تربية إيمانية نتائج مثمرة يانعة ومن أهم هذه النتائج إصابة خيري الدنيا والآخرة وحبّ الله ومعيته والبشارة عند الموت والنجاة من العذاب وإقبال الخلق عليه والتخلص من المألوفات والعوائد وغير ذلك من الثمار الطيبة..
• فلنحاسب أنفسنا يا عباد الله قبل أن نُحاسَب وليتهم كل واحد منا نفسه بأن تأخير النصر اليوم بسبب ذنوبه ومعاصيه وليبادر إلى إصلاح نفسه وإصلاح غيره ما استطاع إلى ذلك سبيلا.