حكاية جامع ( جامع ابن طولون)

download 5 2

بقلم / سحر عبد العاطى..

ترجع أهمية ذلك الجامع لسببين أولهما أنه ثالث جامع بنى فى مصر للجمعة والجماعات ، وثانيهما أنه يعد واحداً من أبرز وأهم آثار العمارة العربية الباقية حتى  الآن؛ فهو الوحيد فى مصر الذى ظل كما هو لم تجر عليه تعديلات كبيرة فى العصور اللاحقة. ويعتبر الوحيد المتبقى من الصروح الكثيرة التى كانت تزين القطائع.

بدأ البناء فيه سنة 263هـ / 876 م وإنتهى البناء سنة 665ه / 878 م . فعندما إستقل أحمد بن طولون بمصر وأقام بها الدولة الطولونية سنة 254هـ آراد أن ينشئ بها مدينة عظيمة فأنشأ مدينة القطائع وهى كانت عبارة عن قطع من الأراضى سكنها أمراء إبن طولون وعساكرهم وسميت كل قطيعة باسم الأمير الذى سكنها أو باسم طائفة الجند التى نزلت بها، وعمرت القطائع عمارة حسنة وتفرقت فيها السكك والشوارع وبنيت فيها المساجد والأسواق وما يتبعها فصارت مدينة كبيرة بها ما يزيد عن مائة ألف دار، وجعلها عاصمة مصر بدلاً من الفسطاط والعسكر، وشيد فيها قصره الذى كان بمثابة نواة مدينته الجديدة ، ثم أقام جامعه المعروف باسمه وهو جامع بن طولون.

بنى هذا الجامع على جبل يقال له يَشْكُر وهومكان مشهور بإجابة الدعاء، وقيل أن سيدنا موسى ناجى ربه عليه بكلمات، ويقال أن سمى بذلك الاسم نسبة إلى رجل من قبيلة لخم وهى من قبائل العرب التى إختطت عند الفتح العربى لمصر بهذا الجبل وكان يشكر رجل صالح فلذلك سمى الجبل باسمه.

وقد بنى الجامع بالجير والرماد والآجر الأحمر حيث هذه المواد تتميز بصلابتها ولا تتأثر بالنيران، والجامع بسيط من الخارج يحيط به أسوار عالية من ثلاث جهات لمسافة حوالى خمسين قدم، بداخله صحن واسع يتوسطه بناء ضخم تعلوه قبة من الآجر المكسو بالجص، أما الجزء السفلى فمن الحجر الذى يتناوب فى مداميكه اللون الأحمر، والصحن محاط بالأروقة، يوجد به العديد من صفوف العقود التى تقف على دعائم ،بنيت العقود والدعائم من الآجر المكسو بالجص وهى مدببة الشكل تيجانها على شكل نواقيس تتحلى بزخارف على هيئة ورق النبات، وعمل فى آخر الجامع من الجهة الغربية ميضأة وخزانة شراب ( أى صيدلية ).

وفور الإتمام من البناء ما لبث أن علقت فيه القناديل بالسلاسل، وفرشت فيه الحصر، وحملت إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القراء والفقهاء. ويتميز هذا الجامع بنوافذه ( التى تشكل صفاً واحداً على طول الجزء العلوي من كل جانب من جوانب المبنى ) حيث أنها عبارة عن فتحات تؤلف أنماطاً معقدة وغير معتادة خالية من أي زجاج ، كل واحدة منها تنتهي من أعلى بعقد مدبب، يعلو هذه النوافذ بالقرب من السقف نقش قرآني منحوت فى الخشب بخط كوفى قديم، وسقفه مصنوع من الخشب منقوش عليه بالخط الكوفى آيات قرآنية. ويوجد به خمس محاريب بالإضافة إلى المحراب الأساسى الذى أنشاؤه بن طولون الذى زين تجويفه بالفسيفساء المذهبة متخذة من فصوص زجاج مذهبة، و المحاريب الخمس إثنان صغيران أحدهما على يمين الدكه والآخر على يسارها، والمحراب المستنصرى الموجود فى منتصف البائكة الثانية بالرواق الشرقى من جهة الصحن ، ومحراب السلطان لاجين وهو على

يسار المحراب المستنصرى ، ومحراب خامس أنشئ فى زمن المماليك البحرية ويعرف بالمحراب المملوكى( نسبة إلى المماليك) وهو على يسار المحراب الأصلى.        

واستمر الجامع على حالته لم يحدث فيه تغيرات كثيرة إلا فى زمن السلطان حسام الدين لاجين سنة 696هـ حيث جدد قبة الصحن وجعل قاعدتها من الحجر مكونة من أربع بوائك معقودة وجعل فى الجانب البحرى لها سلم فى داخل سمك الحائط يصعد منه إلى سطح القاعدة، أما القبة فبناها بالآجر ونقش بها من الداخل آيات قرآنية عن الطهارة والصلاة وجعل وسط أرض القبة فسقية إستعملت فيما بعد للوضوء.

كما قام بنقل المنبر الأصلي للجامع حيث نصبه فى الجامع الظاهري وعمل بدلاً عنه منبر آخر جعل حشوه من الخشب والأبنوس وكتب على وجهته ” امر بعمل هذا المبنر المبارك مولانا السلطان الملك المنصور حسام الدنيا والدين لاجين المنصورى فى العاشر من صفر سنة ست وتسعين وستمايه احسن الله عاقبتها ” ولكن سرقت أجزاؤه الهامة وبيعت فى أوروبا وصار هيكلاً لاقيمة له إلى أن قامت لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1333هـ / 1914م بإصلاحه وترميمه وإعادته كما كان .

وتوجد مئذنة صغيرة عند كل زاوية من زاويتي جانب القبلة نحصل من إحداها على رؤية جيدة للمسجد وتبعد هاتين المئذنتين عن المئذنة الكبيرة حوالي ستمائة قدم.

تقع المئذنة الكبيرة فى الجانب الشمالي الغربي ، وهى غير متصلة بالمسجد إلا عن طريق قنطرة تعبر إلى سطح المسجد أعلى الأروقة ، وقد بنيت من الحجر وبها سلم حلزوني يدور حولها من الخارج.

ومن الطريف يقول المقريزى فى كتابه ” المواعظ والاعتبار فى الخطط والآثار” أن أحمد بن طولون ذات يوم رأى فى منامه رؤية فأصبح متألماً وجمع العلماء والمفسرين وقص عليهم ما رآه وقال ” رأيت نوراً سطع ملأ حول هذا الجامع ولم يقع على الجامع منه شئ ” فقال أحدهم وكان شيخاً كبيراً حاذقاً أن هذا الجامع سوف يبقى ويخرب كل ما حوله وبالفعل صحت هذه الرؤيا حيث حدث حريق شديد فى القطائع وخربت كل ما حوله وبقي الجامع كما هو عامراً.

كما أنه رآى رؤية أخرى بأن ناراً نزلت من السماء فأخذت الجامع دون ما حوله فلما أصبح وقص رؤياه فقيل له أبشر بقبول الجامع وأستشهدوا بقصة قابيل وهابيل حيث قدما قربات لله عز وجل فنزلت النار وأخذت القربة التى تقبلها الله تعالى.

5325f90f b6e0 44ce 8639 1fc73dfc08be
afd7d079 9732 4897 98a4 e6c6fb562e77
f3f014c9 667a 4d49 8241 86874c215af0
5325f90f b6e0 44ce 8639 1fc73dfc08be 1
afd7d079 9732 4897 98a4 e6c6fb562e77 1
download 16
f3f014c9 667a 4d49 8241 86874c215af0 1
download 5 1