بقلم: رافع آدم الهاشميّ
اليومَ (25/2/2020)، عقبَ تعرُّضهِ لأَزمةٍ صحيَّةٍ، وَ عن عُمُرٍ يُناهِزُ الـ (92) عاماً بقليلٍ، توفِّيَ حُسني مُبارك، الرئيسُ الأَسبقُ لأَرضِ الكَرمِ وَ العَطاءِ، أَرضُ أَجدادي الطاهرينَ الأَشراف، أَرضُ الكِنانةِ، أُمُّ الدُّنيا مصر، الأَرضُ الّتي أَفديها بدَمي، وَ أَتشرَّفُ بأَن أَكونَ خادِماً لِمَن فيها مِنَ المؤمنينَ وَ المؤمناتِ؛ بغضِّ النظرِ عن عِرقِهم أَو جنسِهم أَو درجتهِم العلميَّةِ أَو مكانتهِم الاجتماعيَّة، فكانَ لخبرِ وفاتهِ وقَعٌ أَليمٌ عَليَّ وَ على مُحبيِّهِ جميعاً أَيَّاً كانوا.
وفاة حُسني مُبارك الرئيسُ الأَسبقُ لمصر، تصدَّرَ عناوينَ الحديثِ لدى جميعِ مَن يعرفوهُ، سواءٌ كانت معرفتهم تلكَ بشكلٍ مُباشرٍ مَعَهُ، أَو بشكلٍ غيرَ مُباشرٍ، فباتَ العنوانُ المذكورُ حديثَ السَّاعةِ على أَلسنتِنا نحنُ هؤلاءِ الجميعُ، لينضحَ كُلُّ إِناءٍ بالّذي فيهِ، ما بينَ مُترحِّمٍ عليهِ يدعو لَهُ بالرَّحمةِ مِن رَبٍّ رَحيمٍ معَ أَكثرِ مِن كثيرٍ مِنَ الْمُترحِّمينَ، وَ ما بينَ شامتٍ يدعو عليهِ بحقدٍ دَفينٍ معَ أَقلِّ مِن قَليلٍ مِنَ الشامتين الّذينَ أَصبَحوا مَطيَّةً يَمتطيَها كهنةُ المعابدِ سُفهاءُ الدِّين الْمُتأَسلمينَ لا الْمُسلمين، وَ ما بينَ الْمُترَحِّمِ هذا وَ الشامِتِ ذاكَ، برزَ سؤالٌ مُهمٌّ للغايةِ جدَّاً، هُوَ:
– حُسني مُبارَك الراحِلُ عَنَّا أَمِ الخالِدُ في القُلوب؟
عندما أَتحدَّثُ عنهُ الآنَ، ليسَ لأَنِّني على صِلةٍ مُباشرةٍ معَهُ؛ بل لأَنَّني مصريٌّ بالانتماءِ أَصالةً؛ حيثُ أَنَّ جذوريَ مصريَّةٌ قاهريَّةٌ بامتيازٍ، تمتدُّ في أَعماقِ التَّاريخِ إِلى قاهرةِ عَمِّيَ الخليفةِ الْمُعزِّ لدينِ اللهِ الفاطميِّ (طيِّبَ اللهُ تعالى ثراهُ)، فأَنا فاطميُّ النسَبِ، على عقيدةِ التوحيدِ الّتي علَّمنا إِيَّاها جَدِّيَ الْمُصطفى الصادق الأَمين رسول الله (عليهِ وَ على آبائيَ وَ أَعماميَ آل بيتهِ الأَطهار وَ أَصحابهِ الأَخيار أَتمُّ السَّلامُ وَ روحي لَهُ وَ لَهُم جميعاً الفِداءُ)، هذهِ العقيدةُ الّتي هيَ عقيدةُ الإِسلامِ الأَصيلِ، الّتي لا طوائفَ فيها أَبداً، إِنَّما النَّاسُ سواسيةٌ كأَسنانِ الْمِشطِ، وَ أَكرَمُنا عندَ اللهِ أَتقانا، وَ ليسَ أَكرَمُنا عندَ اللهِ أَكثرُنا مالاً أَو جاهاً أَو أَيّ شيءٍ آخرَ غيرَ تقوى الله..
لذا: عِندما أَتحدَّثُ الآنَ فأَنا أَتحدَّثُ مِن نظرةٍ عادلةٍ للأُمورِ وَ الأَشخاصِ معاً، دُونَ أَن تأَخذني في اللهِ لَومَةُ لائمٍ أَبداً، أَيَّاً كانَ اللائمُ هذا؛ ساعياً بحديثيَ هذا جمعَ إِخوتي وَ أَخواتي أَبناءَ وَ بناتَ وطني مِصر على حُبِّ قلبٍ واحدٍ فقَط هُوَ: قلبُ مِصرَ العَطاء، وَ حيثُ أَنَّ العدالةَ تعني إِعطاءَ كُلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ، وَ زكاةُ العِلمِ إِنفاقُهُ، باتَ واجباً عَليَّ أَن أَضعَ النقاطَ على الحروفِ؛ بما وَهبني اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِن عِلمِ (ما وراء الوراء)، فأُبيِّنُ لك وَ للآخَرينَ جوابَ السؤالِ المذكورِ في أَعلاه:
– حُسني مُبارَك الراحِلُ عَنَّا أَمِ الخالِدُ في القُلوب؟
أَقولُ:
يُخطِئُ الجميعُ الّذينَ يحكمونَ على الرئيسِ (أَيِّ رئيسٍ كانَ) حُكماً مُتسرِّعاً لِمُجرَّدِ حدوثِ خطأٍ غيرِ مقصودٍ أَو حتَّى مقصودٍ على يدِ فَردٍ موظّفٍ حكوميٍّ أَو حتَّى على أَيدي عددٍ مِن أَفرادٍ موظّفينَ حكوميينَ؛ كما يُخطِئونَ هؤلاءِ أَيضاً عندما يحكمونَ على الرئيسِ (أَيّ رئيسٍ كانَ) مِن خلالِ ظواهرِ الأَشياءِ، دُونَ أَن يَلِجوا في أَعماقِها وَ يتعمّقوا في ما وراءِ ورائها..
مَن يُريدُ أَن يَحكُمَ على شخصٍ، يتوجّبُ عليهِ أَن يُدقِّقَ وَ يُحِقِّقَ في كُلِّ جُزئيِّاتِ وَ تفاصيلِ جُزئيِّاتِ هذا الشخصِ وَ ما تركَهُ هُوَ مِن أَثرَ ملموسٍ وَ محسوسٍ على الآخَرينَ باعتبارِ هذا الأَثرِ هُوَ فِعلٌ مِنهُ تجاهَ ردودِ أَفعالِ الآخَرين، وَ مِمَّا لا شَكَّ فيهِ أَنَّ طبيعةَ الشخصِ لها التأَثيرُ الأَوَّلُ في صياغةِ سلوكيِّاتهِ تجاهَ أَفعالِ وَ ردودِ أَفعالِ الآخَرينَ، مَِّما يعكسُ طبيعتَهُ تلكَ بحذافيرِها على واقعِ وَ وقائعِ حياتهِ وَ حياةِ الْمُحيطينَ بهِ وَ مَن هُم على صِلةٍ بهِ ذات العَلاقة، فإِن كانت طبيعتُهُ سيِّئةً، كانت سلوكيِّاتُهُ سيِّئةً هيَ الأُخرى، وَ إِن كانت طبيعتُهُ حِسنةً، باتت سلوكيِّاتُهُ حسنةً لا محالة، إِذ برأَيك أَنت:
– هَل يُنتِجُ النحلُ شيئاً غيرَ العسل؟!
بناءً على تحليلِ شخصيَّةِ هذا الإِنسان، نستطيعُ أَن نجدَ الْحُكمَ الصحيحَ بإِنصافٍ شَديدٍ، وَ مِن خلالِ هذا التحليلِ أَيضاً، يمكِنُنُا بكُلِّ يُسرٍ وَ سهولةٍ، أَن نعلمَ في الوقتِ ذاتهِ أَجوبةَ الأَسئلةِ الثلاثةِ الْمُهمَّةِ التاليةِ:
السؤالُ الأَوَّلُ:
– هل نحنُ فَقدنا كَنزاً ثميناً كانَ بينَ أَيدينا؟
السؤالُ الثاني:
– أَمْ أَنَّ الشامتينَ بهِ على حقٍّ فيما يشمتون؟!
السؤالُ الثالثُ:
– وَ ماذا عَنِ الرئيسِ الّذي يَحكُمُنا الآن؟
بالنسبةِ للسؤالِ الثالثِ أَعلاهُ، فإِنِّي أُجيبُك عنهُ في مقالٍ آخَرٍ لي تحتَ عنوان: (عبد الفتَّاح السيسيّ هذهِ حقيقتُهُ الخافيةُ عنك)، وَ هذا المقالُ سآتيك بهِ قريباً جدَّاً إِن شاءَ اللهُ تعالى ليكونَ منشوراً على صفحاتِ هذا المنبرِ الإِعلاميِّ الْحُرِّ النزيهِ الّذي بينَ يديك الآن، يمكِنُك كتابة اسمَ المقالِ في خانةِ البحثِ داخلِ موقعِ منبرنا النزيهِ هذا؛ ليظهرَ لك المقالُ في الحال، بعدَ إِتماميَ إِيَّاهُ وَ مِن ثُمَّ نشره هُنا إِن شاءَ اللهُ تعالى.
وَ أَمَّا بالنسبةِ للسؤالينِ الأَوَّلِ وَ الثاني، فأَقولُ إِليك جواباً عنهُما:
نظرةٌ بسيطَةٌ بعينٍ ثاقبةٍ إِلى طبيعةِ شخصيَّةِ الرئيس الأَسبق مُحمَّد حُسني مُبارك، نتيقَّنُ فيها مِنَ الحقائقِ التاليةِ فيهِ، إِنَّهُ:
– إِنسانٌ مُخلِصٌ وَ صبورٌ وَ طويلُ البال.
– حَذِرٌ في خطواتهِ.
– شخصٌ هادئٌ وَ رَزينٌ في تصرُّفاتهِ.
– شخصيَّةٌ حَنونةٌ وَ لَبقةٌ في التعامُلِ معَ الآخَرين.
– شخصيَّةٌ مُثابرةٌ نادراً ما تُصابُ بالإِحباط.
– صديقٌ مُخلِصٌ وَ صداقتُهُ أَبديَّةٌ.
– عاطفيٌّ وَ رومانسيٌّ جدَّاً وَ يعملُ بشكلٍ جادٍّ لإِسعادِ شريكةِ حياتهِ.
– قويُّ الإِرادةِ وَ العزيمة.
– لا يَعرِفُ الكَللَ وَ الْمَلل.
– مُثابرٌ وَ حَسَّاسٌ.
– مَليءٌ بالمشاعرِ وَ الأَحاسيس.
– واقعيّ وَ لا يستعمل لُغةَ الأَوهام.
– يتميَّزُ بحُبِّ المعرفة.
– يعشَقُ النجاحَ في كُلِّ شيءٍ.
– يقومُ بدورِ الأَب على أَكملِ وجهٍ وَ يعتزُّ بأَبنائهِ وَ يخصُّ بناتهُ بالعَطفِ وَ الدَلال.
– يمتلِكُ ذاكرةً قويَّةً.
– يُمكِنُ الاعتماد عليهِ في مُختلف المواقف.
– يهوى الريف وَ الطبيعة وَ الأَزهار.
هذا يعني: أَنَّهُ إِنسانٌ بحقٍّ، أَنَّهُ كَنزٌ ثمينٌ، وَ حيثُ أَنَّهُ كذلكَ، فإٍِنَّ الشامتينَ على باطلٍ مَحضٍ، عَلِموا هُم ببُطلانِهِم في حُكمِهم تجاهَهُ، أَو كانوا لا يَعلمونَ، ففي الحالتينِ معاً، يبقى مُحمَّد حُسني مُبارك الإِنسانُ الّذي تُحِبُّهُ القُلوبُ، فَهُوَ إِن رحلَ اليومَ عَنَّا جَسَداً، كانَ وَ لا يزالُ وَ سيبقى خالِداً في قلوبنا جميعاً نحنُ مُحِبُّوهُ، نحنُ الّذينَ أَيقنَّا فيهِ مشاعِرَ وَ أَحاسيسَ الإِنسانِ؛ بما وَهبنا اللهُ تعالى مِن بصيرةٍ تدلُّنا على الإِنسانِ الصادقِ الْخَلوقِ أَينما كانَ.
اليومَ برحيلهِ عنَّا لا نقولُ لَهُ وداعاً، بل نقولُ لَهُ:
– أَيُّها الْحَبيبُ! إِلى اللقاءِ في جنَّاتِ النَّعيمِ عِندَ مَليكِ مُقتَدرٍ.
فتغمَّدَ اللهُ فَقيدَنا الراحِلَ مُحمَّد حُسني مُبارك، وَ تغمَّدَنا نحنُ مُحِبُّوهُ وَ أَمثالُنا المؤمنونَ وَ المؤمناتُ جميعاً، برحمتهِ الّتي وَسِعَت كُلَّ شيءٍ، وَ أَسكنَهُ وَ أَسكَننا فسيحَ جنَّاتهِ، وَ أَلهَمَ ذويهِ وَ أَلهَمَنا الصبرَ وَ السِلوانَ، فإِنَّا للهِ وَ إِنَّا إِليهِ راجعونَ، وَ لا حولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ الْحَيِّ الّذي لا يموتُ، راجياً مِن ذويهِ وَ كُلِّ مُحبِّيهِ أَن يتقبَّلوا مِنِّي خالِصَ العَزاء.