قصه قصيره ضمن المجموعه القصصيه (نداءات خفيه)
للكاتبه/ هند المهدى
متابعة / محمود العشري
للوهلة الأولى يرعبك منظره، جلبابه بالي ذا الرائحة نتنة،قدماه صنع منها الزمن شقوقآ لتكون مخبأً للأتربة
ولحيته ذات الكتان المتشابك التى كان لا يكف عن العبث بها بأصابعه السوداء التى تعلوها أظافر يخيل لك أنها صنعت من الطين، شاخص بصره إلى مجهول وكأنه في حالة
تفكير لا ينقطع، اعتاد أن يقف تلك الوقفة في نفس المكان أمام بوابة كبيرة يستقبل شمس الصباح لبضع دقائق، وكأنها حمام طبيعى غير مكلف لمال أو مجهود، اراقبه على بعد خطوات لا يمنعنى خوفى من ذاك الفضول الذى يسيطر على عقلى تجاه هذا الكائن الذى أتى لنا من زمن الإنسان البدائي، كنت دائماً أقول عنه هذين الرأيين لأمى،إما أنه جاء من زمن البدائين أو إنه من سكان عطارد وسقط على كوكبنا خطأً فلا يسع أمى غير الضحك على هذيانى…فتقول لى إن كان بدائى فكيف هو بيننا إلى الآن، وإن كان من سكان عطارد فمعروف بأنه ليست عليه حياة من الأساس فهو الأقرب للشمس، أوقف كلام أمى بمزحة قائلة لها ،إنه يمتلك قدرات خاصة دون البشر لذا أظنه يستطيع العيش في النار أو الثلج دون أن يُلحق به أذى من هذا أو ذاك ، أركض على سلم بيتنا فهذا الذي أسمعه هو آذان المغرب، إنه ميعاد تقوقع ذاك الكائن على نفسه،أترقب خطواته فها هو يخترق المبنى المظلم الذي يسبق بيته، هو مدخل قديم مظلم تعشش الخفافيش أوكاره، يكسو سقفه سوادً أظنه عالق من أدخنة كثيفة صعدت إليه فترسخت في أركانه ، اعتلى قطعة بلوك وأقف ثابتة وراء حائط أعلى سطوح منزلنا لم يكتمل بناءه، ولقصر قامتى أقف على أطراف أصابعى
وكأنى في حالة استعداد لرقصة باليه، كانت أصابعى تؤلمونى،لكن شغفى في أن أراقب ذلك الكائن
جعلنى اتجاهل نفسى وأرصد بعينىّ المدخل المظلم،سيمر منه الآن، ها قد ظهر ،يخطو برجليه المقززة دون أن يرفعها من على الأرض، وكأنه يتعمد أن تخترق ارجله هذا التراب الرطب الناعم الكثيف ، تحوطه هالة تراب قد صنعها لنفسه يستنشقه في نشوى
على شماله بيته المخيف ، ينزوى بجسده النحيل قاصدآ له، لا أرى غير بوابة كبيرة مفتوحة ،على اليمين سرير من الجريد،ومدخل مظلم لا أستطيع أن أميز أى شىء داخله، يتحسس بيده أسفل ظهره
ويجلس على سريره ببطئ وقد قطب حاجبيه وكأنه يشعر بألم
وهنا يبدأ الحوار الليلى المعتاد
بينه وبين مجهول لا أراه ولا حتى أسمعه، هو شئ اعتاد الحديث معه يوميآ في نفس التوقيت
وبنفس الصوت العالي بتلك الطريقة الغاضبة، غضبه يزداد
وصوته يعلو ، تزداد حدة النقاش بينه وبين المجهول، قالت لى جدتى ذات مرة عندما سألتها وهو يتحدث إلى نفسه،مع من يتكلم ههمست لى فى أذنى بصوت منخفض هو يتحدث مع زوجته الجنية، لم اصدقها ولم اصدق يومآ أن هناك جنية تتزوج من إنسان ،نهض من على سريره بطريقة سريعة وكأنه في لحظة أصبح شاباً في العشرين، أين التوكأ في الخطوات
وأين تحسس مواضع الألم بيده
يتجه نحو المدخل المظلم داخل بيته المظلم، انتظر لا يخرج
خيم الظلام على المكان أفقت من تفكيرى على صوت المؤذن إنها صلاة العشاء، نظرت خلفى فإذا بسطوحنا مظلم لا أرى أمامى ولا ورائى ، ركضت في خوف قاصدة السلم، أضائت أمى في وجهى مصباحا،ولكزتنى في كتفى ،قبضت على يدى بعنف ونزلت بى،لقد حذرتنى مرارآ وتكرارآ من مراقبة هذا الرجل،قالت لى لو التمحك تراقبينه سوف يسحبك معه أسفل الأرض، لم أهتم بكلامها ذهبت للنوم بجانب اختى وعزمت على مراقبته غدآ ولكن هذه المرة عن قرب،وفى الصباح وقفت أمام منزلنا لاراه وهو خارج من البوابة الضخمة قاصدآ وقفته المعتادة،فلم يخرج اليوم، انتظرته كثيرآ لكن دون جدوى،دخلت ثانية إلى البيت وجدت امى تنتظرنى بكوب لبن وقطعة بسكويت ، جلست مع اخوتى وهم يتحدثون عن مواضيع مختلفة فمرة عن دراستهم ومرة عن أصدقائهم أما أنا فقد كان شغلى الشاغل،ذالك الرجل،لا بد أن اراقبه عن قرب هذه المرة، حان آذان المغرب فانتهزت فرصة وجود امى بالمطبخ وخرجت اتسحب على أطراف أصابعى
دخلت تلك البوابة المخيفة وأنا اتمالك اعصابى ، الطريق طويل ومظلم، لا أرى موضع قدماى
يخيل لى بين الحين والآخر اننى سأصطدم بشئ ما فيحطمنى
الملم شتاتى واستجمع قواى واستكمل المسير اخيرآ
وصلت هناك مصباح خافت، بالكاد يحدث وميضآ خفيفاً الهواء يمايل شعلة النار يمينآ ويساراً ، أقترب ويقترب صوت الخفافيش المرعب ادرك حينها اننى أمر بالمدخل الذى يسبق بيته، يرف جناح قرب أذنى يعلق برقبتى إنه خفاش أمسكه بقوة دون أن أحدث صوتآ اعصره بيدى دون رحمة وأرمى به أسفل الحائط أقبض يدى ثانية لأشعر بشئ من القوة حتى وإن كانت مصطنعة ولكن كيف فعلت هذا وانا التى أخاف من صرصور صغير ألمحه ، أفتح كفى الصغير فلا استطيع ، فدماء الخفاش تلعبكت بين أصابعى فتشابكت، اتقزز من هذا الشعور
واكمل سيرى ولكن الآن الخطى تثاقلت ،عندما لمحنى بطرف عينه واقفة أمام بيته، مد أصابعه…….