▪️ بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى..
▪️ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف…
( الحُرَقَة) وهى هند بنت النعمان بن المنذر .
كانت مشهورة بجمالها البارع وحسنها الفريد .. وسارت بذلك الأحاديث حتى وصلت الى كسرى , فتمناها لنفسه , فأرسل إلى ابيها يطلبها للزواج , فأنف النعمان أن يزوّجها من أعجمي , فاعتذر .. فجنّد كسرى الجنود , وفتك بالنعمان ,, وهربت الحُرَقَةُ ناجية بنفسها وشرفها إلى بوادي العرب فى خفاء .
ارسل كسرى صوائح فى بلاد العرب , أن برئت الذمة ممن يحمى أو يؤوى الحرقة ..ولأن البشر سيظلون بشرا يؤرقهم الخوف , ويضنيهم الطمع , وفى معظم الأحوال يؤثرون السلامة , فقد راحت بعض القبائل التي تلجأ اليها الفتاة ابنة الملك والتي أصبحت مشردة وجائعة تعتذر بهذا العذر أو بذاك , فتارة سينتقلون إلى مرعى بعيد , وتارة أنهم يتحسبون لهذا الأمر أو ذاك ..
قالت الحُرقة :
ما كنت أحسب والحوادث جمّةٌ
أنى أموت ولم يَعدني العُوّدُ
حتى رأيت على أرومة مولدي
ملكا يزول وشمله يتبددُ
وغشيت كل العُرْب حتى لم أجد
ذا مِرّة حسن الحفيظة يوجدُ
مُوتى بُعَيْدَ أبيكِ , كيف حياتُنا
والموتُ فهو لكل حيٍ مُرصَدُ
خاب الرجا , ذهب العزا , قل الوفا
لا السهل سهلُ ولا نجودٌ انجُدُ
جمدت عيون الناس من عبراتها
وقلوبهم صمٌ صلادٌ جلمَدُ
- راحت الجميلة اليتيمة تتجول متخفية تعانى الخوف والحزن والجوع , إلى أن وصلت إلى قبيلة بنى شيبان .
كان ثعلبة الشيباني شيخ القبيلة قد مات , وخلفه ابنه الفارس المغوار عمرو بن ثعلبة الشيباني .
وكانت شقيقته الكبرى صفية بنت ثعلبة هى حكيمة القبيلة وشاعرتها ,
وكانوا لا يبرمون أمرا قبل الرجوع إليها .وكانوا يسمونها ( الحُجَيْجَة) لقوة منطقها , وكانت أبية النفس , عظيمة المناقب , رفيعة المآثر .
وصلت الحرقة إلى مضارب القبيلة , وقابلت صفية وحكت قصتها .. ثارت الحجيجة غضباً , وانتفضت حقداً .. وهبت تجمع قومها وعلى رأسهم أخيها عمرو صائحة معلنة أنها أجارت الحرقة :
أحيوا الجوارَ فقد أماتته معا
كل الأعارب يابنى شيبانِ
ما العذر ؟ قد نشدت جواري حرّةٌ
مغروسةٌ قى الدرّ والمرجانِ
بنتُ الملوك ذوي الممالك والعُلى
ذاتُ الجمال وصفوةُ النعمانِ
اتهاتفون وتشحذون سيوفَكم
وتقوّمون ذوابل المرّانِ
وعلى الأكاسر قد أجرت لحرةٍ
بكهول معشرِنا وبالشبّانِ
شيبان قومي هل قبيلٌ مثلهم
عند الكفاح وكرّة الفرسانِ
إني حُجَيجةُ وائلٍ وبوائلٍ
ينجو الطريد بناقة وحصانٍ
يا آل شيبانٍ ظفرتُمْ فى الدنا
بالفخر والمعروف والإحسانِ
- وأتت الأخبار كسرى فأرغى وأزبد .. كيف تجرؤ أعرابية كهذه أن تتحدى كسرى العظيم .. لا بد من تأديب هؤلاء الأجلاف .
أرسل كسرى كتيبة من الفرسان المدججين , لتأديب بني شيبان وانتزاع الحُرَقَة قسرا والعودة بهم .
ولكن ماهذا ؟؟ مجموعة من الشياطين انبرت لكتيبة كسرى قتلا وذبحا وأسرا .. ذعر العجم , وفروا مبهورين مدهوشين عن غنائم كثيرة .
صاحت صفية :
أنا الحُجَيْجَةُ من قوم ذوى شرفٍ
أولى الحفاظ وأهل العز والكرمِ
قولوا لكسرى أجرنا جارةً فثوت
فى شامخِ العزِِ ياكسرى على الرُغُمِِ
نحن الذين اذا قمنا لداهيةٍ
لم نبتدعْ عندها شيئاً من الندمِ
نحوطُ جارَتنا من كل نائبةٍ
ونرفدُ الجارَ مايرضى من النعمِ
- ثم أن قواد جند كسرى ارسلوا رسوليْن الى بنى شيبان , يطلبان اليهم أن تنزل الحرقة على طاعة “منصور” احد قواد كسرى وهو عربيٌ ! , وسيبرئ الشيبانيين مما اجترموه .
قابل الرسولان الحجيجة , فأبت وقالت لهما :
قولا لمنصورَ لا دَرّت خلائفهُ
ما صاح فيهم غرابُ البينِ أو نعقا
من زوّّج الفرسَ يا متبولُ قبلكمُ
من الأعارب يامخذولُ أو سبقا
ياويح أمك يامنصور ان لنا
خيْلا كراما تصون الجار ما عَلِقا
فمت بغيظك يا منصور واحيَ على
بغضاك قومى وشمّرْ كل يوم لقا
آلت بنو بكرَ ترضى ماكتبتَ به
يا ابن الدنيّةِ فاجملْ ان اردتَ بقا
- فهجم منصور عليهم , فكسروه فعاد الى كسرى فأمده بجندٍ من العرب يعدون عشرين الفا فى أموالٍ كثيرةٍ ومؤن وافرة . فلما علمت الحجيجة بأمرهم قالت :
ياعمروُ عمروُ اجبنى يابن ثعلبةٍ
يا شبهَ برّاقَ يوم القتلِ والسلَبِ
لأجل عشرين ألفا اُضحِ صارخةً
فى آل بكرٍ وذا شئٌ من العجَبِ
لا تكشفونى بهذا اليوم وارتقبوا
يومى لوقت اجتماع العجمِ والعربِ
تأهب القوم للقتال
وجاءتهم عساكر المنصور .. جلاد عظيم , وكفاح رهيب .. الظالم فى عشرين الفا يقاتل المظلومين المنافحين عن شرفهم وكرامتهم .. معركة طاحنة , انتهت بهزيمة المنصور وتفرق جيشة الجرار , وعاد الى كسرى منهزما .
أمر كسرى الطميْح وهو من قواده العرب المعدودين ان يعد جيشا جرارا للإنتقام من العرب ..
احزن الطميح , ان يهدر كسرى دماء قومه العرب ظلما وعدوانا , فأرسل سراً الى بنى شيبان يعلمهم ويحذرهم من الآتى الرهيب .
أرسلت الحجيجة الى الطميح تشكر له نصحه وتحذيره قائلة :
لله دَرُّك من نصيحٍ صادقٍ
والنصحُ رأيك ايها الإنسانُ
جاء الرسولُ بنصحه ولأنهُ
محفوظةٌ اسرارُه وتُصانُ
واليوم يومُ حُجَيْجةٍ من وائلٍ
جاءت بها الأنباءُ والأزمانُ
شيبان قومى والأعاربُ دعوتى
وعزيزةٌ فيهم فلستُ أهانُ
قلْ للطميحِ فدتهُ فتيانُ الوغى
عندى لكسرى القلبُ والأبدانُ
باللهِ افزع ُ من كثيفِ جنودِهِ
وأنا تجيب لدعوتى العربانُ
ابلغ طميحاً يارسولُ وقل له
بسيوف تغلِبَ تُغلبُ الأقرانُ
- ثم قالت لقومها اتستقيمون وتصبرون أم استجير لى ولجارتى بقبائل غيركم , وأريكم العزّ الأعزّ والعديد ؟
وقالت :
ماذا ترونَ يا بنى بكر فقد نزلت
كِبْرُ النوائبِ والأخرى على الأثرِ
اتصبرون لشعواء مُلَمْلَمةٍ
فيها الأعاجمُ بالنشّاب والوترِ
أم لستمُ أهل صبرٍ فى لوازمها
عند الحفائظِ والجاراتِ والخَفَرِ
إنى أجرت بكم ياقومُ فاصطبروا
فالصبرُ يحللُ فوق الأنجمِ الزُّهُرِ
يا أيها الشمُ انتم حافظو ذممى
وانتمُ فلعمرى العزُّ من عُمرى
إما صبرتُمْ فلا ادعو لغيركمُ
وإن جزعتم أنادى كلَ ذى حُضُرِ
بكل سامٍ الى الهيجاءِ ذى شرفٍ
وارى الزنادِ كريمِ الجدّ من مُضَرِ
- فأجابها قومها الى طلبها , وقاموا على الاستعداد للقاء جند كسرى . ولم يخطر على بال احد , ان كسرى قرر ان يقود الجيش بنفسه وجعل ابنه الأكبر على الميمنة وابنه الأصغر على الميسرة .. اصبحت المسألة بالنسبة له مسألة كرامة وعزة بالإثم , اصبحت بالنسبة له مسألة مجـــد
الفرس , وهكذا اعدّ جيشا لم تر الصحراء مثله , جيشا تجاوز مائة الف مقاتل جلّهم فرسان .
آه لك ياعروبة , كلما جاءت الأنباء بعظم الجيش القادم , كلما راحت القبائل تسارع للإنضمام . كل من تهرّب من ايواء الحُرَقة جاء الآن بكل مايملك من رجال وعتاد ليشارك فى صد العدوان الغاشم . اصبحت الحُرَقَةُ ابنةَ كل رجلٍ , وأختَ كل فارس . اصبحت رمزا للكرامة العربية .
تركت الحُجَيجة ناقتها وامتطت فرسا , وراحت تطوف بالقبائل صارخة مستنهضة محرّضة .. راحت تخاطبهم فرقة فرقة , وقبيلة قبيلة .
▪️خاطبت بنى حنيفة :
إيهاً اجيدوا الضرب ياحنيفةْ
فأنتمُ الجُمجُمةُ الشريفةْ
حامى على أعراضك النظيفةْ
ان الجنودَ حولكم كثيفةْ
▪️ثم أقبلت على بنى لجيم :
لُجَيْمُ قومى وبنو أبينا
ليسوا لدى الهيجا مُغلّبينا
بل ظافرون وحُماةٌ فينا
العزُّ فيهم حين يُلجِمونا
ويَسرحون ثُم يحملونا
إيهاً بنى الأعمامِ فانصرونا
▪️ثم اقبلت الى بنى عجل , وهم أهلها الأدنون :
الفخرُ فخرى بسراةِ عِجْلِ
هم معشرى فى نجدهم والسهلٍ
هم السراةُ وحماةُ الأهلِ
والفائقونَ بشريفِ الفعلِ
إيها أبيدوا جمعَهُم بالقتلِ
ولا تكونوا غرضا للنَبْلِ
▪️ثم عطفت على بنى ذهل وانشأت تقول :
اليومَ يومُ العزّ لا يومُ الندمْ
يومُ رماحٍ وجيادٍ وخدَمْ
للوائليات التى تحمى البُهمْ
با آلَ بكرٍ لا تَهَلكُمُ العجمْ
من الذى يحمى الخيامَ والنعَمْ
إن صبرت ذُهْلٌ فعِزّى اليومَ تَمْ
- ثم اختلطت ببنى شيبان وراحت تسير هنا وهناك وهم من خلفها .. نموذج رفيع للمرأة العربية الواثقة من نفسها ومن رجالها ومن عدالة قضيتها .. راحت صفية بنت ثعلبة الشيبانية تركض هاتفة :
إيهاً بنى شيبانَ صفاً بعدَ صفْ
من يُردِ العَلياءَ لم يخشَ التلفْ
اليومَ يومُ العزّ موصوفُ الشرفْ
إن حافظت قومى فما بى من أسفْ
أنا ابنة العزّ وعرضى اليوم عفْ
بكل نصلٍ كالشهابِ المُختطفْ
- انبلج الفجر على مشهد رهيب يشيب لهوله الولدان .. عشرات الألوف من فرسان كسرى يحجبون الشمس الطالعة التى ترقب بدهشة وتسجّل الى أي مدى تبلغ غطرسة الطغاة وصلفهم وتجبرهم .
ولكن القبائل العربية تلاحمت وتساندت وتواصت وهجمت هجمة واحدة ليبدأ اليوم الأول من هذه الموقعة الهائلة والتى عرفت بوقعة ذى قار .
وقفت صفية ترقب وقلبها يكاد ينخلع من هول ماترى , تكاثر جنود العجم على العرب حتى كادوا ينهزمون.. راحت ترقب من بعيد شقيقها الأصغر فارس بنى شيبان عمرو بن ثعلبة وهو يلقى ينفسه بين جموع العجم كأنه الموت لادافع له ,
كان يشق الصفوف ويجندل الفرسان … ولكن العجم يتكاثرون ويتكاثرون كأن لا نهاية للأعداد التى جاء بها كسرى .
بدأ العرب تحت وطأة الكثرة الضارية يتراجعون ..
فهجمت صفية بسيف مسلول تقطع حبال هوادج النساء , فسقطت النساء عن الجمال , ورأى رجالهن ذلك , فعطفوا على القتال عطفة من لا يريد الحياة .. شقت الحجيجة الصفوف مقتربة من اخيها بحيث يسمعها وراحت تصيح :
ياعمروُ ياعمرو الفتى بنَ ثعلبة
حامِ على جارتك المُستقرَبةْ
وزاحم العجمان عند العقَبةْ .
فحمل اخوها والرجال حملة صادقة , ولكن الكثرة كادت تفنيهم ..
واذا بغبار هائل يتصاعد من الأفق , فقد احست قبيلة بنى يشكر وعليها فارس العرب ظليم بن الحارث وشاعرهم الحارث بن حلّزة اليشكرى , بما يحدث مع قومهم , فجاءوا مددا ضد كسرى .
صاحت صفية كالمجنونة :
هذا ظليم جاءكم فى يَشكُرِِ
كليث غاباتٍ مهوسٍ مُخْدرِِ
يا فارسا تحت العجاج الأكبرِِِ
إحْملْ هُديتَ حملةَالمنتصرِِ
هجم اليشكريون وفرّجوا عن بنى شيبان .. وصفية تقول :
احمل ظليمُ فى العجاج الأسودِ
ادرك فأنت غاية المستنجدِ
واعدُ على القومِ كعدو الأسدِ
باليشكريين كرام المحتدِ
غابت الشمس , وافترق الجمعان , وانتهى اليوم الأول .
ارسلت الحجيجة الى الطميح شيخ قبيلة اياد والقائد العربي فى جيش كسرى :
ليس للعُجْم نُصرٍَِةٌ فى عشيرى
إن ارادَ الطميحُ نجلُ الكرامِ
ان تولت لنا إيادُ انهزاما
كان منهم هزيمةُ الأعجامِ
وملكنا العُلّوَ والفخرَ طولَ
الدهرحتى آخر الأيامِ
ان نصرَ الطميح أكرمُ نصرٍ
وحُنوٍّ على بنى الأعمامِ
فوافقها الطميحُ على ذلك .
وفى اليوم الثانى فوجئ كسرى بقبيلة إياد تترك صفوفه و تنضم الى العرب , فأعاد ترتيب صفوفه وبدأ القتال الطاحن حتى غابت الشمس وافترق الجمعان . وفى اليوم الثالث كان تفوق العجم واضحا ولكن بسالة العرب مكنتهم من الصمود .
فى اليوم الرابع , جاءت صفية بالحرقة وقالت لها : كونى قريبة منى ..وانتدبت فوارس قومها ورأست عليهم اخاها وانشأت تقول لهم والحرقة واقفة بجانبها :
ياعمرو يا من أجار الحُرَقةْ
يا رأس شيبان الكماة المُعْرِقةْ
أكرم خيلىِ من سعى أو لحِقَهْ
والعجم صرعى جمعهُمْ مُفترقةْ
وقالت للحرقة : هذا آخر يوم بيننا وبين هؤلاء القوم , فاسفرى على عمرو واوصيه بما شئت . فاسفرت الحرقة بوجه زاهر وحسن باهر وانشدت :
حافظ على الحسبِ النفيس الأرفعِ
بمدجّجين مع الرماح الشُّرَّعِ
واليوم يوم الفصل منك ومنهمُ
فاصبر لكل شديدة لم تُدفعِ
ياعمرو ياعمرو الكفاحَ لدى الوغى
ياليثَ غابٍ فى اجتماع المجمعِ
اظهر وفاءً يا فتى وعزيمةً
أتُضيعُ مجداً كان غيرَ مُضيّعِ
هجم الفارس عمرو بن ثعلبة , وهجم الفارس ظليم اليشكري , وهجم الفارس جدابة ,وهجم الفارس شهاب , وهجم الفارس شعثم , وهجم كل فرسان العرب فى هجمة واحدة فرّقوا بها صفوف العجم , ومزقوهم شر ممزق , وقتلوا اولاد الملك كسرى ,واصيب كسرى نفسه , فلم يجد مفرا من الإنسحاب مهزوما كسيرا , وغنم العرب غنائم لا تحصى من الذهب والفضة والديباج واللؤلؤ والدر وكل ثمين , هذا عدا النصر المبين الذى تفوقت به العرب على العجم وانتصفت منهم .
قالت الحُرَقة :
المجدُ والشرفُ الجسيمُ الأرفعُ
لصفيةٍ فى قومها يُتوقعُ
ذات الحجاب لغير يومِ كريهةٍ
ولدى الهياج يُحلُ عنها البرقعُ
لا أنسَ ليلةَ اذ نزلت بسوحها
والقلبُ يخفقُ والنواظرُ تدمعُ
والنفسُ فى غمرات حزنٍ فادحٍ
ولهى الفؤادِ كئيبة اتفجّعُ
مطرودةً من بعد قتل أبوّتى
ما إن أُجارُ ولم يسعنى المضجعُ
ويئست من جارٍ يُجيرُ تكرماً
فأُجرت واندملت هناك الأضلعُ
وتواردوا حوضَ المنيّةِ دون أن
تُسبى خفيرةُ أختهم واستجمعوا
والح كسرى بالجنود عليهمُ
وطميحُ يردفُ بالسيوفِ ويدفعُ
وهمُ عليه واردون بطرفهم
والنصرُ تحت لوائهم يترعرعُ
- الأهم من كل ذلك ان احدا من كل هؤلاء الفرسان البواسل الذين خاضوا الى الحفاظ علي الحرقة وعلى كرامتها بحور المنايا , لم يحاول ان يطلب ان يتزوجها , وهذه هى الرجولة الحقيقية ..بل أعطوها الف ناقة حملوها بجلّ ما غنموه من كسرى , واكرموها غاية الإكرام .
وقد تزوجت هند بنت النعمان بعد ذلك المنذر بن الريان أحد أبناء الملوك وقد أسلم وقتل بين يدى الرسول صلى الله عليه وسلم فى وقعة أُحد هو وحمزة رضى الله عنه .
ثم أتت سعداً بن أبي وقاص رضي الله عنه فى الحيرة بعد وقعة القادسية , فأكرمها البطل سعد وحفظ لها مقامها وعاملها معاملة العظماء , وخرجت من عنده مغتبطة , وسألها الناس ما صنع بك الأمير ؟ قالت :”إنما يكرم الكريمَ الكريمُ” .
الحُجَيْجَةوالحُرَقَة ..!
هكذا كانت العرب تحفظ نساءها .