عندما مات الضمير( جريدة نسر العروبة)

89857750 622497798309351 8280240335829860352 n

بقلم/ د طارق ذكى

عندما مات الضمير!!! في داخل كل منا محكمة عادلة تبقى أحكامها يقظة في نفوسنا هي الضمير. الضميرُ !!! هو ذلكم الشعورُ الإنسانيُّ الباطنيُّ الذي يجعلُ المرءَ رقيبًا على سُلوكه… في الأقوال والأعمال والأفكار. هو ذاك النور الذى بداخلك الذى يميز بين الحق والباطل يميزَ بين الخبيثَ والطيب والحسن والقبيح وبين الحلال والحرام وبين الظلمات والنور. ولكن !!! وللاسف الشديد الكثير من الناس قد ماتت ضمائرهم والبعض نامت ضمائرهم، وهناك مَن باعوا ضائرهم. ومهما إختلفت المسميات وتتضاربت الآراء حول الأزمة التي نعيشها في عصرنا أهي أزمة إقتصادية أوأزمة سياسية أم أزمة فكرية أواجتماعية إلا أنني على يقين أن أزمتنا بعيدة كل البعد عن هذه الأزمات بل تتجاوزها على كل المستويات وعلى ابعد الحدود. إن أزمتنا لم تعد تحمل تلك الخطابات الروتينية التي يتداولها الكل من غلاء المعيشة واستفحال ظاهرة البطالة واستشراء الرشوة في جسد مجتمعنا ولا أزمة ركود اقتصادي أوعجز أوتضخم سكانى أوأزمة سياسية بين الأحزاب أوالتيارات الفكرية أوإنتشار الأمراض والفيروسات والأوبئة. نعم إننا نعيش في هذا البلد أزمة ضمير مزمنة هذه الأزمة تفرعت عنها كل الأزمات والمصائب الأخرى التي باتت جلية فى سلوكيات ومظاهر مجتمعية عادية ومألوفة من بهتان ورشوة وكذب وخمول وجمود واستخفاف واستهتار ووصولية وانتهازية وتملق ونفاق إجتماعي. هذه الشوائب السلوكية التي أضحت سمات المواطن في هذا العصر. لأجل ذلك أتي اليومٌ الذى عرض فيه الضمير للبيع في سوق الحياة بثمن بخث حتى مات ودون أن يُصَّلى عليه. وعندما مات الضمير!!! وجدنا هؤلاء الأبرياء الذين ماتوا صعقاً بالكهرباء نتيجة سقوط الأمطار على أعمدة الإنارة فى الشوارع والطرقات. وعندما مات الضمير!!! وجدنا تلك الطرق حديثة الإنشاء والتى إختفت من جراء تجمعات مياه الأمطار. وعندما مات الضمير!!! وجدنا ذلك الصاحب والصديق الذي أئتمنته على مالك وقد خان الأمانة وتنكر لك. وعندما مات الضمير!!! وجدنا من يعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يوماً واحداً ستجد شاهد باع ‎‎ضميره وزور أحداث شهادته وحول الظالم إلى مظلوم‏‎‎ والمظلوم إلى ظالم و‎اختل واقع الحياة وضاع مصير الإنسان. وعندما مات الضمير!!! وجدنا الطبيب والمهندس والعامل الذي يهمل ويقصر فى عمله. وعندما مات الضمير!!! وجدنا من يخون أمته ويبيع وطنه ويدمر مجتمعه. وعندما مات الضمير!!! وغاب من النفوس أهملت الواجبات وضيعت الحقوق والأمانات ووسد الأمر إلى غيرأهله وظهرت الخيانات وحيكت المؤامرات وتقدمت المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة. وعندما ماتَ الضميرُ!!! تقدمت صوت البندقية على صوت العدل وعلا صوت الرصاص على صوت الحوار والمنطق. ومن ثم كانت النتيجة أن أصبح الجلاد برئ و الضحية متهم. إن موت الضمير يظهر بين المشتري و التاجر وبين الأستاذ والطالب وبين المقاول و صاحب المشروع و بين الزوج الزوجة وبين القاضى والمجرم وبين المسؤول و المواطن. أتمنى أن يقلع كل واحد من هذه الأطراف المكونة لهذه الأطراف الثنائية عن بعض هذه السلوكيات و التحلي في المقابل ببعض المسؤولية بضمير حي. فليت الأستاذ يعي مدى جسامة المسئولية والرسالة النبيلة التي وكلت إليه في بناء مجتمع الغد والإقلاع عن كل سلوك من شانه أن يسئ لهذه المهمة العظيمة . وأن يبتعد التاجرعن احتكار السلع و الزيادة في الاثمنة واستغلال غفلة المستهلك. وأن يبتعد الزوج عن التفكير في خيانة زوجته أوإعتبارها مورداً ماديا لسعادته أو ضريبة يعمل و يكد من أجلها. وبين الطبيب تجاه مريضه المحتاج لرعاية صحية وعناية كبيرة. وليت المسئول يفكر بحزم وجدية في إعمال مشاريع تخدم الوطن والمواطن قبل مصالحه الشخصية ويراعى ضميره. أتمنى أن نرقى بضمائرنا الحية إلى مجتمع يقلع بعزم وحزم ونهائيا عن الرشوة والتملق والنفاق والخنوع والإستسلام والجمود والكسل ولايجعل من الطموح والكد والجد تملقا ووصولية ونفاق. وفى المقابل هناك نماذج أثبتت شهامة وجدعنة أولاد البلد المصريين فى الأزمات والشدائد كما ظهرت فى أزمة السيول والأمطار فى الأيام الأخيرة الماضية وضحوا بحياتهم لإنقاذ غيرهم.