بقلم/ الشيخ عادل حيدر
عشرٌ مُباركاتٌ ليالِيها أفضلُ ليالِي السنة على الإطلاقِ، وقد أقسمَ الله تعالى به في قوله: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: 2]. ولشرَفِها وجلالَتها كان النبيُّ – صلى الله عليه وآله وسلم – يخُصُّها بكثرة العبادة والاجتِهاد في القُرُبات، والاعتِكاف والخَلوَة بربِّه – سبحانه وتعالى -. فقد ثبَتَ أنه – صلى الله عليه وآله وسلم -، إذا دخلَت العشرُ شدَّ مِئزَرَه، وأحيَا ليلَه، وأيقَظَ أهلَه، فيجتهِدُ فيها ما لا يجتَهِدُ في غيرِها. وقد اختَصَّ الله – سبحانه وتعالى – هذه العشرَ المُبارَكات بليلةِ القَدر التي لا مِثلَ لها ولا نظيرَ؛ فهي الليلةُ التي أثنزِلَ فيها القرآن، فإما أن يكون المُرادُ أنَّ ابتِداءَ نُزول القرآن – صلى الله عليه وآله وسلم -، كان في هذه الليلةِ المُبارَكة، أو يكون المُرادُ أن نُزولَ القرآن مِن اللَّوحِ المحفُوظ، ونسخَه منه جُملةً واحِدة إلى بيتِ العِزَّة في السماء الدنيا كان في هذه الليلةِ المُبارَكة. ولذلك يكثُرُ فيها نُزولث الملائِكةِ إلى الأرضِ؛ حتى إنها لتَضِيقُ بهم مِن كثرَتِهم، حتى إن جبريلَ – عليه السلام – ينزِلُ إلى الأرضِ؛ لجلالَة هذه الليلةِ وعظمَتِها عند الله – سبحانه -، كما قال تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 4، 5]. فهي ليلةٌ سالِمةٌ مِن كل سُوءٍ وكَدَر، طَلقةٌ سَمِحَة، مُعتَدِلةٌ لا حارَّةٌ ولا بارِدةٌ، مُنِيرةٌ مُضِيئةٌ، لا يُرمَى فيها بنَجمٍ، ولا تُرسَلُ فيها الشُّهُب، ولا يخرُجُ شيطانُها حتى ينبَلِجَ الفجرُ، وتطلُعُ الشمسُ في صَبيحَتها حمراء ضعيفةً لا شُعاعَ لها. وهذه العلاماتُ ثابِتةٌ عن النبيِّ – صلى الله عليه وآله وسلم -. ومِن جلالَةِ هذه الليلةِ: أنها ليلةُ التقديرِ السنويِّ، فيُفصَلُ فيها ما في اللَّوح المحفُوظ إلى صحائِفِ الملائِكةِ مِن أحداثِ الدنيا، والوقائِعِ العامَّة والخاصَّة التي تحصُلُ في الكَون للسنةِ القادِمة، كما قال – سبحانه -: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الدخان: 4، 5]. فجميعُ ما يكونُ في السنةِ القادِمةِ ويُقدِّرُه الله مِن رِزقٍ، وحياةٍ ومَوتٍ، وعِزَّةٍ وذُلٍّ، وغِنًى وفقرٍ، وغير ذلك يُفصَلُ مِن اللَّوح المحفُوظ في هذه الليلةِ الشريفةِ العظيمةِ القَدْر. فلا غَرْوَ إذًا – يا عباد الله – أن تكون العبادةُ فيها والطاعاتُ أفضلَ وأعظمَ أجرًا مِن عبادةِ ألفِ شهر؛ يعني: ما يُقارِبُ أربعًا وثمانين سنة. معاشِر الصائِمين: ليلةُ القَدر ليلةٌ عظيمةٌ شريفةٌ، ولذلك كان السَّلَفث الصالِحُ يتحرَّون إدراكَها بعنايةٍ بالِغةٍ، ويحرِصُون عليها حِرصًا شديدًا، وقد تحرَّاها النبيُّ – صلى الله عليه وآله وسلم -، وحثَّ صحابتَه على تحرِّيها، وهي في العشر الأواخِر قَطعًا، والغالِبُ أنها في الأوتار، وقد تكونُ في الأشفاعِ، وهي في سَبعٍ يبقَين أو سبعٍ يَمضِين، وكثيرًا ما تكونُ في ليلةِ سَبعٍ وعشرين خاصَّةً إذا وافقَت ليلةَ جُمعة. والمشهُورُ عند كثيرٍ مِن العلماء: أنها تتنقَّلُ في الغالِبِ، وليسَت ثابِتةً في ليلةٍ مُعيَّنةٍ في كل الأعوام، وهذا التنقُّلث مقصُودٌ؛ حتى يجتَهِدَ العبدُ في العشر في كل العَشر، ولا يتَّكِلَ على ليلةٍ واحدةٍ، ولا يحرِص على تتبُّعِ رُؤَى وتعبيراتِ المُعبِّرين، وحساباتِ الحسَّابِين. وإذا اجتَهَدَ العبدُ في ليالِي العشرِ كلِّها، فقد أصابَ وأدركَ ليلةَ القدر قطعًا. فاتَّقُوا اللهَ – يا مُسلمون -، وأرُوا اللهَ مِن أنفُسِكم خيرًا، واجتهِدُوا فيما بقِيَ مِن الشهر؛ فالأعمالُ بالخواتِيم، والسابِقُ مَن سبَقَ في هذه الأيامِ والليالِي، والمحرُومُ مَن حُرِمَ الخيرَ والمغفِرةَ والأجُورَ في رمضان، والأعظمُ حِرمانًا وخُسرانًا مَن حُرِمَ مِن رحمةِ الله وفضلِه ومغفرتِه في ليلةِ القَدر، ولا يُحرَم خيرَها إلا محرُومٌ مخذُولٌ، أسأل الله ان يختم لنا شهر رمضان برضوانه والعتق من نيرانها وان يعيده علينا اعواما عديدة وأزمنة مديدة