مقالة بقلم : الداعية : مهندسة / بهيرة خيرالله.
بعنوان : فضل شهر رجب
ها قد أوشك أن يهل علينا شهر رجب من عام 1442 هـ ، وشهر رجب من الأشهر الحُرُم التى ذكرها الله تعالى فى قوله : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًاً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) [ التوبة ]. وروى أبو بكر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم ، أنه قال في حِجّة الوداع: ( إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمُحرم، ورجب مُضَر الذي بين جُمادى وشعبان ) . وسُمِّيَ رجبٌ رجبًا لأنه كان يُرجَّب أي يُعظَّم ، ففيه حُرمة القتال أعظم من غيره ، فلا يٌسمع فيه صوت سلاح لذا سُمَّى رجب الأصم ، وسُمِّيَ رجب مُضُر نسبة إلي القبيلة التي كانت تعظمه .
وشهر رجب من الشهور الحافلة بالذكريات الإسلامية الخالدة، ومنها: الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة ، لما رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم ما يُصيب أصحابه من البلاء أمرهم بالهجرة فرارًا إلى الله بدينهم & وفيه كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة وتسمَّى غزوة العُسْرَة للضيق الذي كان به المسلمون من قلة المؤنة وشدة الحرِّ وبُعد المسير ، وقد نصرهم الله فيها ، وعنها قال صلي الله عليه وسلم : ( نُصرتُ بالرُّعبِ مَسِيرة شهر ) & وفيه فتح القائد صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس وحررها من الصليبيين، وكان ذلك في يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب لسنة 583هـ .
- وفي شهر رجب في ليلة السابع والعشرين منه يُحيّى المسلمون ذكرى الإسراء والمعراج ، وإن ورد في وقت وقوعها أقوال ست أقوال ، والمؤكد فيها أنها كانت بعد رحلة الطائف بعد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة ، وقبل الهجرة ، وأنها الليلة التي فرضت فيها الصلاة . وهي المعجزة الحسية الكبري للنبي ضمن أكثر من 1200 معجزة حسية له ، ووقعت قبل الهجرة النبوية الشريفة ليلا من البيت الحرام إلي بيت المقدس ، وفيها نزلت الآيات من سورتي الإسراء والنجم بيانا لمكانتها العظيمة ومكانة رسول الله صلي الله عليه وسلم عند ربه ، لذلك فإن ارتباط المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالأقصى بالقدس الشريف هو ارتباط عقدي ، فهو معراج رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأول قبلة المسلمين إلي أن تحولت إلي البيت الحرام بعد ستة عشر شهرا في ليلة النصف من شعبان تطييبا لقلب رسول الله صلي الله عليه وسلم .
- ولم يرد في فضل صيام شهر رجب ولا صيام شيء منه مُعيَّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه ولا دعاء مأثور ولا ذبح مخصوص فيه حديث صحيح يصلح للحُجَّة ؛ وإن كان الرسول صلي الله عليه وسلم قال باستحباب الصوم فى الأشهر الحرم : ( صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ) ومنها رجب . ويخص بعض المسلمين شهر رجب بعمرة ظنًّا منهم أن لها فضلا وأجرًا، والصحيح أن رجبا كغيره من الأشهر لا يقصد بأداء العمرة فيه ، والفضل إنما في أداء العمرة في رمضان أو أشهر الحج مُتمتعاً , ولم يثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم اعتمر في رجب قط ، ولكن لو ذهب المسلم للعمرة فى رجب فلا بأس بذلك .
- ومع هذا قال العلماء : رجب هو شهر الزرع ، وشعبان شهر سقى الزرع ، ورمضان شهر الحصاد . فإنه يبدأ الاستعداد لرمضان بزيادة القربات من صلاة وصيام وصدقة وقراءة قرآن وصلة أرحام وفعل الخيرات حتى نصل إلى شهر العبادة وقد علت الهمم وتطلعت إلى جنى الثمار بنوال رحمة الله ومغفرته وعتقه للرقاب فى شهر العطاءات الإلهية .
وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستقبل الهلال من أي شهر عربي بالدُّعاء : ( اللهُمَّ أهِلَهُ علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما تحبه وترضاه ) ؛ ثم ينظر إلي الهلال ويقول : ( ربِّي وربُّك الله ، هلالُ رُشدٍ وخير ) . وها قد أوشك أن يهل علينا شهر رجب ، فلندعو كما علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) .. آمين يا رب العالمين.