فلسفة الواقع!

FB IMG 1610864342157 1 1

بقلم / الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بآداب الزقازيق…


يشير مصطلح “الفلسفة العلمية”إلي جنوح بعض الفلاسفة المعاصرين إلي تشبيه أنفسهم بالعلماء.و هو بصفة عامة جنوح وضعي أو مادي كان أول من بَشَّر به أوجست كونت عالم الاجتماع الفرنسي.

و تمثل الفلسفات الماركسية و الوضعية الكلاسيكية و الوضعية المنطقية و التحليلية اللغوية أهم مدارس الفلسفة العلمية،و هي التي تلزم نفسها بوصف الوقائع و تجنُّب الخروج من أقطار الواقع،أي أنها تميل بصفة عامة إلي التفسير العلمي،أو علي الأقل وصف الظواهر الواقعية فعلا،و ليس ما يجب أن يكون.
و طبقا لمزاعم هؤلاء فإنهم نجحوا في تقديم حلول للمشاكل الدائمة للفلسفة بالابتعاد عن أحلام الفلسفة القديمة التي كانت تعتقد بقدرتنا علي فهم ما يجاوز الواقع المادي،و بالالتزام بتحليل هذا الواقع من خلال اكتشاف المصادر الحقيقية للمعرفة الإنسانية و القوانين التي تتحكم في التحولات الاجتماعية،في حالة الماركسية،و من خلال تحليل محتويات العبارات الخبرية،في حالة الوضعية المنطقية و التحليلية.
و مع ذلك فقد أحرق الماركسيون أنفسَهم في جحيم الغرور بادعاء قدرتهم علي تقديم تفسير شامل للتحولات الاجتماعية و الثقافية للناس بناء علي ظروفهم المادية،كما تورطت الوضعية المنطقية عند أبرز أقطابها و هو برتراند رسل في قضايا تتعلق بطبيعة العقل و الوجود.
و بذلك لم يتمكن هؤلاء من تقديم فلسفات علمية خالصة من شوائب خرافية بالكامل،كما حلموا و ادعوا.
و مع ذلك فقد ظلت محاولاتهم دليلا قاطعا علي ميل العقل الإنساني للتخلص من جحيم الأسئلة التي لا تقبل الإجابة عنها،إما لأنها مصوغة بطريقة خاطئة أو لأنها عصية علي الحل بحكم غموض المسئول عنه،أي مفارقته للواقع المعقول.و أعتقد أنه لن يأتي اليوم الذي تتمكن فيه عقولنا من التخلص نهائيا من كل شوائب الأسطورة و الخرافة،إلا إذا امتلكنا عقلا إلهيا!
و لكن لما كانت الفلسفة العلمية علمية لأنها فقط تتشبه بالعلم فإنه من المنطقي ألَّا تكون بديلا عن العلم،و هي بذلك ليس لها وظيفة إيجابية،أي لن تضيف شيئا جديدا بجانب العلم.غير أن وظيفتها النقدية في العالم الثقافي توازي وظيفة العلم في الاكتشاف و الوصف التفسير و التنبؤ.إذن يمكننا أن نقرر أن وظيفة الفلسفة العلمية هي محاصرة أرض الخرافة في العالم الاجتماعي بمساعدة العلم!