بقلم الأديب أحمد عفيفى
باغته معانقاً بشدة , تراجع للخلف مندهشاً, وسرعان ما تبدلت دهشته بفرحةٍ عارمة.. تذكّر تلك الابتسامة التى نسى ملامح صاحبها, تداعى شريط الذكريات:كانا يقضيان الساعات الطوال بين شوارع وأرصفة غارقة فى الضوء , والواجهات والفاترينات والمحال المتلاصقة..ولمًا عادا شعر بارتياح حين تمكن -الصياد- من غرز المفتاح فى الكالون العنيد..كان قد قرر المبيت مع الصياد لشدة الإجهاد,أدهشه انصفاق الباب فى وجهه بعد أن مرق الصياد للداخل,قرع كثيرا ,دون جدوى ,حتى تناهى إلى سمعه صوت أُنثوى غنوج يقول:(كنت فين ياشقى لحدً دلوقتى؟تعالى ح ادفًيك ياتعلب يامخمور ح نسًيك العالم)..ليلتها تكوًر فى سريره الذى وصل إليه بشقِّ الأنفس ,وأخذ يحدق بالسقف مليا , خُيًل اليه أن شبحا رهيبا يهبط فوقه قائلا:ستموت، أنت ضحيتى الليلة!
*أفاقه قول الصياد المباغت:(طبعا أنا ضيفك الليلة, وكمان عشان تعرفنى على الأولاد)..قال:الأولاد وأمهم سافروا عند جدهم..تبدَّل وجه الصياد,بإشراقة مباغتة,حتى كاد يبطش بوجهه مستفسرا؟ لكنه انتبه لفاتنة تجلس ملاصقة للصياد,أفقدته أنوثتها النطق لبرهة , وكان وقت الترحيب بها قد فقد بهاءه, ارتبك خجلا ,عاجلته الفاتنة بضحكة لها رنين يحفُز على الإقتحام , بدا فستانها الأخضر القانى كقميص نوم من القماش السميك ,ينسجم مع بشرتها الخمرية المتوهجة..
*إنطلق صوت جهور من آخر ركنٍ بالمكتبة:وقت الإنصراف ياسادة,تلقفهم الشارع بضوضائه, وأضوائه ,وهوائه الرطب, مال الصياد على رأسه موشوشا:(هيًه لك الليلة),قال مشدوهاً:ماذا؟,قال الصياد:(مش انت لوحدك ف الشقة؟) قال:أنت حيوان بوهيمى , كيف تتخيل أن(…)؟ ثم لماذا تتخلى عنها رغم فتنتها؟, حقاً أنت شيطان ماجن ,لا تعبأ بشىْ.
*كان القمر مختبئا , وبصيص من بعض النجوم الكسلى يبين على استحياء, والنصف الآخر من الليل يصحبهما, بمجاملة غير متقنة ,خدش السكوت, تحدًث,ثم تلعثم,تحدًثت هى وأسهبت, ثم ختمت بقصة هروبها من بلدتها بعد أن اغتصبها إبن خالتها المخمور, وأجهشت بصوت مريب..
*فتح باب شقته , اتجهت مباشرة إلى غرفة النوم , تخلصت من قطعة الملابس الوحيدة ,مدت يدها خلف رأسها, إلتقطت شيئا رشقته بياقة فستانها ,إنسدل شعرها الغزير فوق كتفيها كشلالٍ أسود ,كاد يغشى عليه ,تهاوى فوق مقعد الزينة يتفحًص,لم تمهله,إنتشلت -روبه- وفوطته ,واتجهت إلى الحمام..بدا النعاس يشاغله, أفاقه صوت دقٍ متقطعُ فوق الباب, فتح بحرص, إنزلق الصياد مسرعا للداخل ,كان بيمناه لفافةً ينبعث منها رائحة شواء ,وكانت يده الأخرى ممسكة بزجاجة -بيرة- قال للصياد:ألم تقل انك مفلسا؟ قال الصياد:(فُرجت) قطعت الحديث بدخولها المباغت ,نفضت الماء عن شعرها , بدت كنمرة تتلوى جوعاً, وظمأً, لمحت الصياد , أُشرق وجهها..إرتمت فوق صدره , التصقا بحرارة , تسلل هو إلى المطبخ ترافقه ابتسامة ساخرة..أشعل الموقد،وجهز الأكواب .