بقلم / على حزين
أطرقت بصوت خافت ..
لم تستسلم يوماً , ولم تضعف , بل واجهت الحياة بكل ما فيها من تيارات جارفة .. استطاعت أن تتحدى دوامات الحياة .. بكل ما أوتيت من قوة .. كانت تشعر بأن لديها قوة خارقة .. وكانت دوماً في حذر شديد من أنياب الذئاب , حتى استطاعت أخيراً , أن تجد عملاً شريفاً .. وعندما كانت تعود لأفراخها الصغيرة , مرهقة .. والشمس تجنح للغروب , كانت تخلع كل متاعبها أمام البيت .. وتتقمص السعادة في عنت لتؤتيها الصغار ….
وظلت تستطرد …
تحكي لهم .. عن مغامرتها مع أبيهم , الذي رحل فجأة عن الحياة .. وظلت الرأس تشتعل شيبا .. وصفحات وجهها قد تشققت .. والزوج الذي يتهادى في كل شيء وكيف تعلمت منه الصبر , والجَلد .. وكم رفضت من أجله الكثير …. وكيف ….. وكيف …..
شعرت بالتعب يفُت في هيكلها الضعيف , الهزيل .. التقطت أنفاسها الصعداء .. ابتلعت ملوحة الأيام التي هي غصة في حلقها … الدموع كانت ساخنة … والنوم كان يأخذ طريقه إلي عيون الصغار ….
أطرقت قليلاً …
وبدأ الصغار يكبرون .. كم كانت السنون ثقيلة .. والمرض كان يسلبها كل يوم شيئاً من شبابها الذي طالما حير المعجبين .. في غضب كانت ترفض أن يشاركها أحداً , في هذا الحمل الثقيل .. فحلمها تحيي لتراهم أصحاب مناصب مرموقة , في هذا المجتمع الذي طالما لفظهم صغاراً .. وكانت تدعوا لهم في سجودها .. وقبل النوم .. توقفت للحظة.. شعرت بانقباض , اغرورقت عيناها بالدموع , التي فقدت بريقها مُنذ زمنٍ بعيد .. دست هما في منديلها العتيق .. ذو الرائحة المميزة ….
ثم أطرقت من جديد .. بنبراتٍ متحشرجة قالت : ..
وبعدما انكسرت عليهم .. ولعقت الصبر من أجلهم .. ومسحت عليهم البلاط .. بعد كل هذا .. يتبرءون من عملي الذي رباهم ..؟!! .. حتى البيت الذي درجوا فيه يتركوه ..؟! .. يتركوني هكذا ..؟! .. بين أربعة جدران ..؟!!….
صدمتي فيهم كانت كبيرة .. أكبر من كل عمري الذي سلبه المرض .. انخفض صوتها فجأة .. صمتت .. سحبت عصاها بيدها المرتجفة .. وقفت في صعوبة بالغة .. استدارت حول نفسها .. ثم انصرفت من العنبر .. بعدما تأكدت أن الأطفال يغطون في سبات عميق ………
*******************
من مجموعتي الأولي ” دخان الشتاء ”
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر