بقلم / على حزين
ليلة أمس هرب النوم مني , جلست مُتأرقاً , والفكر في رأسي ـ كالعادة ـ كلاب سعرانة تنهش وتجري .. سحبتني قدماي نحو المكتبة , أمسكت احد الكتب .. ديوان ” لابن جرير” اشتريته من معرض الكتاب , قرأت المقدمة .. وبعضاً من قصائده الجميلة التي راقت لي ….ولما شعرت بالملل , فكرت في الخروج أشم الهواء الطلق , لكني تراجعت عن هذه الفكرة في آخر لحظة , فأنا لم أزل مريض , وأحتاج إلي الراحة …..قمت , فتحت التلفاز , فرأيت نفس الوجوه التي أراها كل ليلة , والتي لا أظن أن تتغير إلا بتغير هذا العالم , وجوهًا مججتها وسئمتها جميعا .. وجوهًا تتكلم في كل شيء وعن أي شيء .. وجوهًا تدعى بأنها النخبة المثقفة , وبأنها تملك الحقيقة المطلقة , وتعرف أي شيء عن أي شيء , وكأنهم أنبياء أوحي لهم من السماء .. حقاً أنه مُر هذا الواقع الأليم ……تقلبت على أريكتي كالمحموم , وذكرياتي القديمة تؤرقني .. وأنا اسأل نفسي .. ألاف ألأسئلة .. متى ..؟! .. وأين..؟! .. وكيف ..؟!.. ولم أجد إجابة تشفى غليل , وفى النهاية ضربت كفاً بكف , وتقلبت على أريكتي , وأنا كلي ضايق , وضجر , وحنق , متبرماً حتى الثمالة …..((الإحداث التي أراها على الساحة لا تسر أحد , وكلها تبعث على الخوف , والقلق العدو انقلب إلي حبيب , والحبيب انقلب إلي عدو, حروب , مجاعات , وأزمات طاحنه تعُم كل أرجاء العالم .. مرض , فقر , جهل .. هذا الثالوث المدمر .. والذي ذاد وغطى شبح ” كرونا ” هذا الفيروس الشرس الذي ظهر فجأة , وراح يغزو العالم .. هذا الوباء القاتل الذي لم لا يُرى , ولم يتوصل العلماء ـ وإلي الآن ـ إلي نصل أو عقار ناجع له .. والناس في ظنون , وشكوك , ومخاوف , وأوهام ليس لها أي مبرر … حنانيك يا الله )) ….اختنقت .. زهقت .. وشعرت بالملل .. فألقيت بـ ” الريم ونت ” من يدي , قفزت كالمجنون صوب الحاسوب …..” لا جديد في المجلدات .. دخلت على ” الانترنت ” هذا العالم الأزرق الافتراضي , الجميل في الأمر, الأصدقاء من كل أصقاع الأرض ” .. علقت على بعض الأشياء ,أذكر وأنا طفل صغير ــ من أربعين عاماً تقريباً ــ سمعتُ الناس وهم يتحدثون عن القيامة التي ستقوم .. لأن الحديد أصبح يتكلم , وذلك حين اخترع الراديو , وكثر القفش , والنكات الظراف , والسخرية من هذا الأمر , ولكن العالم اليوم صار قرية صغيرة , بل أصبحت الكرة الأرضية في غرفتك الصغيرة , وبين متناول يديك صوت وصورة , مباشر الآن , من كان يعقل هذا..؟!! .. وكيف لو حُدث به في القديم ..؟!. أكان الناس يصدقون هذا .. ؟! .. العالم اليوم صعد إلي الفضاء , وحط على النجوم والكواكب , وغاص في أعماق البحار , وصعد إلي ما بعد المريخ , ويطمح إلي المزيد , ومع كل ذلك يقف مكتوف الأيدي أمام فيرس ضعيف , لا حول له ولا قوة غريبٌ أمر هذا الإنسان .. ما أضعفه ، وما أظلمه , وما أجهله .. ” وما أتيتم من العلم إلا قليلا ” … “……فتحت برنامج التواصل الاجتماعي .. علقت على بعض الأصدقاء .. وشاركت بعض الأشياء, ثم فتحت غرفت الدردشة الخاصة , تحدثت مع صديق لي بعض الوقت .. وحين شعرت بالملل , اعتذرت له وخرجت من غرفة الحوار, وأغلقت “الفيسبوك”نظر في الساعة , كانت تشير للثانية يعد منتصف الليل , والجو شديد البرد ……..فتحت موقع الصحف والمجلات , تطلعت العناوين , نفس المنشطات , ونفس المواضيع , جلها عن الفنانين , ولعيبي الكرة , وعن نسب الطلاق المرتفعة , عزوف عن الزواج .. ارتفاع نسب البطالة , وارتفاع معدل الفقر والجريمة , والتحرش , وعن عالم الاقتصاد , والساسة , الخ …الطقس الليلة سيء جدا, والبرد شديد , وليلة أمس كدت أن أموت ـ لولا ستر الله ـ أولادي أصروا علي أن يذهبوا بي إلي المشفى , وتحت الإلحاح , وافقت , ذهبت” هذا الدور يعاودني كل شتاء .. البرد اللعين جاءني فجأةً , ودون سابق إنذار”ذهبت إلي المشفى الحكومي .. وأنا ارتدي الدولاب .. وبرغم ذلك كنت أتزفزف .. وقف .. وأرتعد , وانتفض من شدة البرد , وهناك في الاستقبال , وجدت بعض الحسناوات الصغيرات يرتدين ” البالطو ” الأبيض ” دكاترة امتياز” جلسن خلف الدائرة الرخامية , وقد وضعن أيديهن في جيوبهن .. فتوجهت إلي أحداهن بالحديث وأنا لا أدري من منهن الطبيبة , ومن منهن الممرضة , فالكل يرتدي نفس الثياب الأبيض .. المهم .. شكوت لها ما أجد من شدة الألم , وقد أخرجت شريط مضاد حيوي وعلبة دواء , لا أذكر أسمها , كنت قد أخذتها قبل سابق , فذهب عني الذي أجد .. فنظرت إليَّ بابتسامة جميلة , ثم قالت :ــ زين امشي عليهم وأنت تروق “فضحكت وأنا أقول لها :ــ طاب لو سمحتي اخذ كم مرة من هذا وذاكــ صباحاً ومساءً ..ـ بعد الأكل ولا قبل الأكلـ الأفضل بعد الأكل لأن المضاد الحيوي قوي وثقيل علي المعدة .ــ شكرا .. طاب ما فيـ ش أي حاجه أخدها هنا في المستشفي ..ــ آه هـ تأخذ حقنه للبرد وتروق إن شاء اللهوانتظرت من يعطيني الحقنة , وعندما لم يجدوا رجل , تطوعت واحدة منهنَّ لتعطينيها .. فسكن الألم قليلاً , ثم عودت إلي البيت , لكن سرعان ما عاودني الدور وبدأت رحلت البحث عن طبيب ماهر .. ومن عيادة لعيادة , ومن شارع لشارع , حتى استقر بنا المطاف عند طبيب حاذق , وبالفعل ذهبت إليه , وانتظرت دوري الذي تأخر كثيراً , وبعد الفحص جيدا , اكتشف المرض .. وشخصهــ نزلة برد حادة , جعلت حلقي يلتهب ويكون صديدا ..التعب والإعياء مازالا يسكنا جسدي , وأنا أريد أن أنام , ولكن لا أستطيع ..أغلقت الحاسوب , أطفأت المصباح .. استرخيت على فراشي .. وضعت الغطاء علي جسدي , شعرت بأسناني تَصْطكَّ ” تك تك تك ” ..ــ ” تبا لهذا المرض العين ”