بقلم المقاتل الأديب:أحمد عفيفى
من ملاحم حرب اكتوبر73
لمحهـا بالشرفة المُطلة على -المنور- الفاصل بين شقتيهما..
كانت تُلملم شعرها وتلفلِفهُ ببطء وتصنع منه–كعكةً- أعلى رأسها. وتشاغله بعينيها العسليتين أخرج مِشطاً من جيبه وأخذ يمشّط شعرهُ بعصبيةٍ..ضحِكت -زينب- وانصرفت للداخل
*جاء صوتُ المذيع زاعقاً مدوياً:(هنيئـاً ياعرب..أسقطنا مائتين وسبعين طائرة..فرْكة كعب..وندخل تل أبيب)..هبط السُلَّم قفزاً, وصل المقهى, شاهد المعلم – أبو العطا- يسدُّ المدخل بجسده الضخم زاعقاً(طلاق بالتلاته م يخش مليم ف جيبى الليلادى)..تمادى المعلم, أخرج من أحشاء -النصبة- عشرة صناديق كولا مُثلّجة وفتحها مجاناً فى صحة -تل ابيب-..راح يرتشف زجاجة الكولا على مهلٍ..حدّث نفسه:لماذا لا يسمحون لأصحاب السابعة عشرة بالذهاب إلى تل ابيب؟..أحسّ مرارة بالقطرات الأخيرة من زجاجة الكولا المُثلّجة
*لم يُفلح الإطار المُزركش لشهادة التخرُّج..ولا اللقاءات الخاطفة -بزينب-, ولا آلاف المُكعبات من السُّكر-المدعوم-..فى تغيير المذاق المُرً لتلك القطرات الأخيرة
*الرمال ناعمة كالسراب, تسحب -البيادةـ فتغوصُ فيها حتى رقبتها..و-عبد المعبود- رجلٌ عكِرُ المِزاج,ضخمُ الكفّين, بأعلى ذراعه الأيسر ثلاث شرائـط سوداء..كان قاب قوسين من التسريح من الجيش والعودة لتجارة البهائم التى يعشقها..لكن -ديّـان- الأعور فوّت عليه الفرصة
*لم تعُد لقاءاته الخاطفة -بزينب- تحدثُ البهجة القديمة..لم يعد وميضُ عينيهـا يُشِعُّ ببرائتها المعهودة..ولم تعُد حفاوة المعلم -ابو العطا- ودُعاباته كعهدها
*وقف شاخصاً فى مياه القناة الهامدة الباردة, فيما بعضُ الرفاق يستحمـون والبعضُ منهمكون فى مصّ القصب..وآخرون يلعبون الكرة..أمعنَ النظر فى الساتر الضخم المهول..تمتم لنفسه:كيف أُقيم؟.وهؤلاء الاشباح المتناثرون فوق الابراج بزيّهم الأخضر القانى..دائماً يرطنون بأشياءٍ مُبهمةٍ..ماذا لو رأتهم زينبُ, أو رآهُم المعلم -ابو العطا- صاحب اللسان السليط؟..ظلّ الغضب يعصف بصدره حتى أفاقه زعيق الرقيب-عبد المعبود- مُعلناً إنتهاء المشروع!
*لم يكن ليُصدِّق أن المياه الهامدة الباردة..كانت تُنصتُ إليه..حتى آن الأوان لتلفظ بركانها المهول , تظلِّلها سماءٌ جديدةٌ مدججةٌ بنسورٍ جائعةٍ..وملائكةٍ يُنظِّفون الفضاء بأجنحتهم البيضاء..تهاوتْ السنون السِّت العجاف..سنةٌ فى كل يومٍ..وفى آخر سنةٍ عجافية تهاوت, تهاوى معها شبحٌ ضالٌ بمظلته ,كان على مرمى البصر منه , قفز من -دُشمته- مُهرولاً..تزامنَ وصوله, مع ارتطام الشبح بالأرض..إنقضّ عليه..سحب مسدسه وقيّده , نزع أكتافه المزركشة بالنجوم ,أقسم أن يُهدى واحدةً لزينب..وواحدةً للمعلم -ابو العطا-
*فى المقهى أحاطته دائرةٌ من الأنفاس الفرِحة..وكان المعلم ابوالعطا يحتويه فى صدره العريض..شعُر بحرارة الأنفاس تلفحه..عاجلوه بزجاجة كولا مثلجة..راح يرتشفها ببطءٍ..قطرةً قطرةً..إنتهى..طلبَ زجاجةً أُخرى@