//من ملاحم حرب الإستنزاف وحرب أكتوبر 73//
بقلم الأديب المقاتل أحمد عفيفي
كعادته راح يشاكسه , يخطف سلسلة مفاتيحه ويؤرجحها امام وجهه, ثم يميل فوق رأسه موشوشا(اللى يرجع اول ياخدها)
كانت سلسلة عتيقة مطوّسة منتهية باطار دائرى صغير بداخله صورة -كريمه-خطيبة فيّاض
وكانوا قد فرغوا من قراءة الفاتحة واتجهوا إلى القارب المطاطى يقفزون واحداً تلو الآخر,وكانت النجوم مختبئة وحبّات المطر تنهمر غليظة ثقيلة تصفع خوذاتهم,وكانت الريح تتلوى وتصفّر
*كانت المهمة:تدمير ثلاثة أهداف قوية للعدو,وكان القارب يشق المياه الغامقة المهتاجة بصعوبة,وكانت الأوامر أن ينتظر الرقيب -عبد المعبود- بجوار القارب, ويتسلق الستة الآخرون, كل اثنين إلى هدف,وكانت الدُشمة الكبيرة الحصينة من نصيبه , فيما تسلق -فيّاض- متقدما زميله إلى برج المراقبة
*تذكّر مشاكستة لفيّاض وسلسلة المفاتيح وصورة كريمة..كان يغتبط بشدة حين يصطحبه فياض لزيارة -كريمة-, وكانت كريمة تسعد لرؤيته وتقول:(انا بحبك وربنا العالم عشانك بتحب فياص)
*حين أصبح قاب قوسين من بلوغ قمة الساتر ,اختلس نظرة لليسار,شاهد فياض يقفز كصقرٍ فوق جندى المراقبة, ثم يغرز شيئا كان بيده فى رقبة الجندى, ثم يهرع داخل الدشمة الحصينة..
*تجاوز المسافة زاحفاً إلى الهدف المُكلًف به , وحين انتصب واقفا, شاهد الدشمة خالية, كان يتوسطها مدفع غريب, تحوطه عدة صناديق معدنية ثقيلة, وكانت خوذاتُ خمسٌ معلقة على الشكائر الرملية التى تحاوط الدشمة,لوهلة حسبه كميناً, أحسّ أنه فقد الشعور بالمكان والزمان.حتى أفاق على صوت هرج ومرج منبعث من ملجأٍ أسفل الدشمة, -لم يدر أيّة قوة دفعته وزميله لدفس ما يحملان فى باطن المدفع وأسفل الصناديق المعدنية وأسفل الباب الصغير المنغلق على الأصوات الصاخبة..وكانت الريح تعوى بشدة
*كان القارب قد تخطى منتصف المسافة في رحلة العودة قبل أن يشتعل الجحيم ويدوّى فى ثلاث بقاع أعلى الساتر المهول, وكانت قلوبهم تزغرد فرحةً, وفيّاض يجدف ويقهقه بهيستيرية,وكانت الطلقات العشوائية تنهمر خلفهم, وحبًات المطر الغليظة لا تزال تنهمر بشدة
*حين باتَ القارب على مسافة خطوات من الضفة..لم يتنبهوا بماذا ارتطموا لكنه يذكرُ أن انفجارا هائلا كان ببقعة الإرتطام , وحين أفاق , وجد نفسه فوق رمالٍ مبللة,وحين استعاد الرؤية,شاهد الرقيب -عبد المعبود-جاثماً فوق فيّاض محاولا كتم نافورتين من الدماء تتدفقان من كتفه وصدره,راح يلطم وجهه حتى خرّ منكفئاً يصفع الرمال بجبهته,وكان فياض ينظر إليه باسما واهناً..وكانت الريح تصفّر بشدة
*التهمتْ عجلات القطار قضبانَها بشراهةٍ, وهو يتحسسُ الإطار الذى يحوى صورة كريمه,كان الطنينُ يتكاثرُ فى أذنيه حتى لاحت -كريمة-..كانت واقفة هناك أسفل شجرة الجوافة العتيقة تُظلِّل المكان بشَعْرِها الفاحم الغزير,وحين التقاها, أطالَ النظر فى عينيها,رأى فيهما غلاماً ضاحكاً ينمو ويرقص وينمو, كان يشبهه تما