بقلم /عبدالله الغنام
نجلس في بيوتنا وعيوننا مشدودة إلى الهاتف المحمول أو التلفزيون، ننتظر رؤية خط بالأحمر عليه “نهاية كابوس كورونا”.. كأن الزمن عاد بنا إلى الحرب العالمية الثانية وإلى أوروبا تحديداً، تحوَّلت بيوت جميع الشعوب إلى “ملاجئ أندرسون” التي صنعها البريطانيون على عَجَل لحماية أنفسهم من الضربات الجوية الألمانية، وكل شخص يخرج قد يجلب معه المرض والموت فينهار كل شيء في لحظة.
في أوروبا ملاجئ المدنيين في الحرب العالمية الثانية كانت غير حصينة، وقد قتل الآلاف منهم داخلها، بعكس القادة والمسؤولين الكبار الذين شيَّدوا لأنفسهم تحصينات فخمة وفارِهة ومُجهّزة بكل المُستلزمات، وبعكس شعوبهم نجوا من الموت، وهو نفس الأمر الذي حدث في الحرب الباردة، حتى أن الأميركيين يتباهون اليوم بتحصينات “كبار المسؤولين آنذاك” وقد حوّلت واحدة منها على سبيل المثال إلى متحف في ولاية فيرجينيا!
مع “كورونا” يبدو أن الجو العام مغاير كلياً، الجميع سواسية في هذه الحرب، عشرات المسؤولين الغربيين أصيبوا بفيروس “كورونا” ولكن مئات المدنيين يتوفَون يومياً، للأسف لم يكتشف اللقاح إلى غاية هذه اللحظة، لكن اكتشفنا أن العالم المُتقدّم والمُتطوّر والأول مفردات “فضفاضة” وباهتة وآيلة إلى السقوط، مع انهيار منظومته الصحية والأخلاقية، بريطانيا لم تعد عُظمى والولايات المتحدة لم تعد “حلما” جميلاً بل كابوساً.
لم تتعاطف الشعوب الغربية مع أنباء إصابة مسؤوليها بهذا الفيروس، مثلما تعاطفت مع مقتل جنودها في الحربين العالميتين، ربما لأن هذه الأنباء كاذبة والهدف منها أن “القطيع والراعي” مُصابان بنفس البلاء، فيتملّصون من محاسبة الرأي العام، وإن كان من المُبكِر الحديث عن هذا الموضوع، غير أنه يبدو أن الشعوب الغربية لن تحتفل مع قادتها بنهاية فيروس كورونا كما يحتفلون كل عام بنهاية الحربين العالميتين والحرب الباردة والاستقلال، لأنه وكما بات واضحاً، فقد أدركت أنها مُجرّد أرقام و”فيزا كارد” لقادتها، ينهبون أموالهم وينهكونهم في العمل لساعاتٍ طويلةٍ وكما يقول الإنكليز “نركض مثل الكلاب”!
عندما تمخّض “كورونا” ولد العجز والكذب واللامساواة واللامبالاة والخداع، اكتشف الغرب أن التكتلات “فقاعات” نقرها “كورونا” ورأينا فيديوهات وصوَر تنكيس عَلم الاتحاد الأوروبي وحرقه ورَفْع عَلم الصين بدلاً منه.. الصينيون الذي يعانون من العنصرية البغيضة في أوروبا وأميركا، تآخوا في لحظة انهيار القِيَم الغربية مع هذه الشعوب ومدّوا يد العون ويخاطر أطباؤها وممرضوها بحياتهم خدمة للإنسانية.
كورونا كشف أن النظام الغربي هو نظام “ميديوقراطي” أو “نظام حكم التافهين ” كما جاء في كتاب الفيلسوف الكندي آلان دونو “نظام التفاهة”، ويظهر ذلك جلياً في إدارة بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، فالشخصيات غير الكفوءة التي تدير السياسة منذ سنوات، فشلت في احتواء فيروس “كورونا” وهو ما جعله يتحوّل إلى جائِحة.
إن ما يُسمَّى بـ “شعبوية” ترامب وجونسون و”بساطة” ميركل وماكرون، ما هي إلا “أسلوب أو طريقة حياة” التي يكرّسوها في المجتمعات الغربية، وقد نجحوا إلى حد كبير في ذلك، لأن نظام “التفاهة” الذي استبعد المثقفين والنُخَب واعتمد على “تكنوقراط” أو أصحاب الخبرات فشل في إنقاذ حياة الناس.
إن إدارة الأزمات بالعقلية “السطحية” أنتج ليس فقط تفشّي كورونا والخطر الذي يُحدِق بالأمن الصحي والغذائي، بل أنتج الحروب المختلفة النوع والشدّة على مدى عقدين أو أكثر من الزمن، من دون إغفال الحال الاقتصادية العالمية، التي يسودها الجشع الرأسمالي ونهب ثروات الشعوب المُستضعَفة والمُضارَبة والاحتكار وهيمنة الشركات الضخمة والتضخّم وارتفاع معدّلات العجز والدَين والاستهلاك “الماجن” من دون تفكير.
لقد ثبت للعالم أن القِيَم الأخلاقية والفلسفية والثقافية باتت غير مرئية، وأصحابها يعيشون “العزل” الإجباري، في الوقت الذي يتبسّط ويتسطّح فيه مفهوم الثقافة والأخلاق ويتحوّل كل شيء إلى سلعة تجارية.
كورونا ونظام التفاهة
ما هو رد فعلك؟
حب0
حزين0
سعيدة0
غاضب0
غمزة0