بقلم : ياسر بهاء الدين
هل حددت لنفسك في يوم من الأيام جزء من هدف؟ هل تحدثت لنفسك قائلاً سأعمل على دراسة لغة جديدة (مثلاً) بتركيز منخفض أو مجهود محدود؟ هل كانت نيتك في بعض الأحيان تحقيق هدف ما مع ربط مجهودك بمدى توافر الوقت الكافي لديك لتحقيق هذا الهدف؟
بنسبة كبيرة جداً – إن لم يكن الجميع – ستكون الإجابة على الأسئلة السابقة بالنفي!
ليس من المنطقي أن يضع أحداً منا هدف – مع رغبته في تحقيقه – وتكون لديه النية ألا يبذل قصارى جهده أو لا يصب جل تفكيره ومجهوده لتحقيق هذا الهدف إلا لو ………..!
هناك حالتان فقط – من وجهة نظري – يحدث فيهما ما سبق ألا وهما:
الأولى: أن يكون الهدف المراد تحقيقه لا يحمل القدر الكافي من الأهمية لتحفيز الشخص للمثابرة والمتابعة وبذل كل نفيس في سبيل تحقيق هذا الهدف كأن يرغب أحد أن يتعلم لغة أجنبية جديدة ولكن هذه اللغة ليس لها نتائج إيجابية على حياته في حالة إتقانها سواءً في مجال العمل أو الحياة الشخصية وبالتالي لن يستمر في بذل المجهود اللازم مع أول عائق يمنعه من تحقيق الهدف.
الثانية: أن يكون الهدف في حد ذاته غير واضح المعالم ولا يمكن وضع خطة عمل تساعد في تحقيقه كأن يكون الهدف هو أن يتمنى أحدنا أن يعمل على تطوير تطبيق أو إنشاء موقع إلكتروني للتجارة الإلكترونية على سبيل المثال دون دراسة أو تحديد متطلبات السوق أو حتى عدم وجود أدنى خبرة في هذا المجال ولكنه حدد هذا الهدف فقط نتيجة معرفته لشراء مايكروسوفت لموقع لينكدإن بمبلغ 26 مليار دولار!
ومع ذلك فكثير منا يضع أنصاف أهداف ولكن بأشكال مختلفة ولكن أعتقد أن أهمها وأخطرها هو أن تضع هدفاً ثم لا تعمل على تحقيقه. إن كان من الضروري وضع الأهداف وكتابتها ووضع خطة عمل لتحقيقها فإن 1) متابعة تنفيذ هذه الخطة و 2) قياس مدى ما تحقق مقارنة بما كان مخطط له و 3) تعديل هذه الخطة من حين لآخر بما يتماشى مع المتغيرات الخارجية والداخلية للحصول على أفضل النتائج تعتبر بمثابة الوقود الرئيسي والعناصر الأهم في رحلة تحقيق الهدف.
كم من أهداف كثيرة بدأناها في مرحلة التخطيط ثم وضعناها في الأدراج أو الأذهان حتى أصبحت ذكريات نتحدث عنها بحزن أننا في يوم من الأيام كنا نتمنى (أصبحت أمنيات) أن نحقق كذا وكذا!
في عام 2007 بدأت التفكير في أن أحصل على درجة الماجستير وفي 2008 قررت ثم بدأت في 2010 وأنهيتها في 2012!! ثلاث سنوات كاملة منذ التفكير حتى البدء وهذه مدة طويلة جداً كان من الممكن أن تكون أقصر من ذلك بكثير وذلك كان بسبب عدم إعطاء الأهمية الكافية أو الأولوية والمجهود الذي يستحقه هذا الهدف في ذلك الوقت فكانت هناك أهداف أخرى، أو لعلي أقول مهام أخرى كانت طاغية على المضي قدماً في تحقيق هذا الهدف.
هذا ما يقع فيه الكثير منا حيث يتم وضع هدف ذو أهمية ولكن نبدأ في الانزلاق إما في تحقيق أهداف أخرى أو فقط تنفيذ المهام اليومية من مهام وظيفية أو عائلية أو شخصية أو حتى قضاء الوقت فيما ليس له أهمية أو نفع. أكاد أجزم بأنه لا يخلو مقال أو ورشة عمل أو جلسة تحفيزية تتناول جانب من جوانب التنمية البشرية من التأكيد على مدى أهمية تحديد الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها ولكن ماذا بعد؟
حتى يكون الهدف كاملاً غير منقوصاً فلابد أن يكون مصحوباً برغبة عارمة في تحقيقه ووضعه على أولويات أفعالنا اليومية بحيث يكون الشغل الشاغل هو تحقيق هذا الهدف. أتذكر في هذا السياق ما فعلته إبنتي الفيروز عندما كانت في انتظار إصدار إحدى الروايات التي ما إن صدرت حتى كانت من أوائل زميلاتها في شرائها ولم يمضي سوى أيام قلائل حتى أتمت قراءتها ولكن ما كان ملفتاً للنظر هو رغبتها في الانتهاء من قرائتها في بضعة أيام وبالتالي كنت نادراً ما أراها إلا والرواية في يديها بدون كلل أو تعب حتى حققت هدفها وبالتالي كان شغلها الشاغل هو تحقيق هدفها وتم تكريس جل وقتها ومجهودها للوصول إلى ما تبغيه.
في كثير من الأوقات نقوم بتحديد أهداف ولكن نتيجة عدم الجدية في الالتزام بتحقيق هذه الأهداف فإننا نجد أنفسنا نحيد عن طريق تحقيق الهدف وننشغل بمهام أخرى بل قد نصل إلى درجة أن نختلق الأعذار لتأجيل العمل على تحقيق ما نصبوا إليه والانصراف إلى أعمال أخرى قد نصفها بالبسيطة أو العابرة بنية العودة مرة أخرى لهدفنا الأساسي فيما بعد ولكن بعد مرور فترة من الزمن نجد أن الحماس والرغبة بدأت في الاندثار والتراجع حتى نستيقظ على حطام أهداف ونبدأ في ندب حظوظنا وإلقاء اللوم على الظروف التي ما كانت لتكون عائق أمامنا لولا اختياراتنا الخاطئة.
قد يكون من أهداف الطالب أن يحصل على درجة امتياز في مادة ما ولكن كلما بدأ في المذاكرة تظهر احتياجاته فجأة للطعام والشراب ومشاهدة المسلسلات والمباريات والخروج مع الأصدقاء وكثير من الأنشطة التي تبدأ بنية (دقائق بسيطة وأعود للمذاكرة) وتنتهي بجملة (سأستكمل ما أفعله الآن على أنا أبدأ المذاكرة غداً بجد ونشاط دون الالتفات إلى أياً من هذه المغريات!) وهكذا دواليك كل يوم.
على الجانب الآخر، هو الطالب الذي يستمر في المذاكرة وعدم الالتفات إلى أي مؤثرات خارجية ويتم تأجيل أي أنشطة أخرى ما دامت في نطاق الأهمية الأقل من الهدف الحالي والذي لن يتحقق إلا بالالتزام والاستمرارية والمثابرة.
وأخيراً علينا بعد أن نتعلم كيفية تحديد الأهداف ووضع الخطة الملائمة لتحقيقها ألا تكون فقط أهداف على الورق ونتجنب وضعها دون دعمها بالمجهود اللازم لتحقيقها حتى تكون أهداف كاملة وليست فقط أنصاف أهداف.