لمّا يموت لي أحدٌ

لمّا يموت لي أحدٌ
لمّا يموت لي أحدٌ

لمّا يموت لي أحدٌ

إمضاء : أ . د . بومدين جلّالي..

ونحن في زمن الموت المكثف بسبب كوفيد 19 وغيره؛ أقترح عليكم قراءة خاصة لإحساسي بالموت منذ أن أدركت معناه في هذا الوجود العابر … مع دعائي للمولى تبارك وتعالى أن برفع البلاء والوباء عنا وعن البشرية جمعاء

لمّا يموت لي أحدٌ تتوقف في ذاتي تعاقبات الليل والنهار، فتنبُضً العيْنُ، ويدمعُ القلبُ، وتهيمُ الروح في هدوء صارخ متلمّسة ما انقطع منها وضاع في مصابها الجلل … وهكذا أنا أموت قطعة قطعة منذ أن وعيتُ معنى الموت، منذ أن أدركتُ أنّ المسار الوجودي مجرّد عبور سينتهي في لحظة ما من لحظاته، منذ أن اكتشفتُ أنّ الذات الفانية ستفنى دونما شكّ ولا ريب …

لمّا يموت لي أحدٌ أرحلً إلى غابر أيّامي مُراجعا ما فعلتُ وما تركتُ … أسير ببطْء مزعج حيناً، وبسرعة مزعجة حيناً، وببطْء سريع في سرعة بطيئة حيناً، ومن غير بطْء ولا سرعة حينا … تواجهني مرتفعات مرعبة مخيفة ومنحدرات أكثر رعبا وخوفا … أقف هنا، وهناك، وهنالك، وفي كل موقع فقدت فيه بعض روحي وتركت فيه دمعة لا تتبخر أبدا … مريرٌ وحزينٌ جدّا جدّا أن يكتشفَ الإنسان أنه بدأ يموت قبل الموت وهو يسير نحو نهايته المعلنة المؤكدّة من غير أن يستطيع فعْل شيء ما …

لمّا يموت لي أحدٌ تتغشّاني آلام مركّبة متعدّدة جبّارة … أتألم لفقدان الفقيد الذي ذهب ولن يعود ما دامت الشمس تشرق وتغرب في جدليتها التراجيدية المفسرة للوجود كلّه … أتألم لمَا فعلْتُ وكان يجب ألّا أفعله، ولمَا تركْتُ وكان يجب ألّا أتركه … أتألم لذاتي التي لا تعي الدرْس دائما وهي تموت بالتدريج في كل لحظة من مسارها الذي لا تخلو مرحلة من مراحله من إطلّالة لهذا الفاعل المثير للخوف الذي ما فوقه خوف والذي نراه بفعله المرعب لا بوجهه المجهول … أتألم لقائمة الذين رحلوا من أهلي وأحبّتي وأصيْحابي ورموزي وتركوا قلبي يتيما ونفسي تتخبط في فراغات مذهلة من فضاءات تواجدهم السالف … أتألم من أسئلة غير معتادة تمطرُ أسئلتي المعتادة بغرائب لا تستطيع التعبير عنها لغة أسلافي ولا لغات أحلافي وأطيافي ولا من عاشوا يوما ما في المدائن والأرياف والفيافي .

لمّا يموت لي أحدٌ أدخل في صمت جنائزي يشرب النهر والبحر، ويقدّ الفلاذ والصخر، ويفتّت الصمود والصبر، ثمّ أرفرف خلف الراحلين والراحلات من غير أن أنجح ولو مرة واحدة في مداواة الروح بمعانقة من كانوا يمثّلون شيئا ما في وجودي المتناقص المتآكل باستمرار … آه كم هو مؤلم أن يبكي الإنسان فقدانه وهو يعتقد أنه يبكي فقدان الآخرين ؟ … آه كم هو مأساوي أن يرى الإنسان نهايته تتمسرح أمامه في نهاية من وصلوا إلى تلافيف قلبه وملأوا برودتها بدفْء خاص ورمزية من الرمزيات التي عاش لها وبها ؟ … آه كم هو جحيميّ حارق خارق أن يلامس الإنسان قوّة ضعفه، وحقيقة وجوده الهَلوع المَنوع الجَزوع، وجبروت فنائه التدريجي ؟ … آه ثم آه ثم آه …

لمّا يموت لي أحدٌ أتيقّن يقينا مطلقا أن الموت حقّ، وما قبله حقّ، وما بعده حقّ، وعلى الإنسان الإنسان أن يعطي لهذه الحقوق ما هو حقّ … وشهادة “”” لا إله إلا الله، محمّد رسول الله “”” بما يتبعها، وما يترتب عنها، هي الحقّ الحقّ … اللهمّ اجعلني وأهلي وأحبّتي وأصيْحابي ورموزي ممّن كان مسارهم وسيبقى وفق ما نصّ عليه هذا الحقّ الحقّ.