متطلبات سوق العمل

WhatsApp Image 2020 08 02 at 2.45.28 PM

د/هانم خالد سليم، أستاذ أصول التربية المساعد، كلية التربية النوعية، جامعة الزقازيق
تشهد المجتمعات الإنسانية في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين مجموعة من المتغيرات و المستجدات المحلية و العالمية السريعة و المتلاحقة و المتشابكة و التي تنوعت ما بين متغيرات سياسية و اقتصادية و تكنولوجية و معرفية و اجتماعية أدت الي حدوث سلسة من التحولات المتداخلة واسعة النطاق و عميقة التأثير في شتى مجالات الحياة .
و يأتي على قمة تلك المتغيرات الثورة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و تطبيقات الذكاء الاصطناعي و النظم الخبيرة و التزاوج بين العقول البشرية و العقول الإلكترونية والتقدم المذهل في علوم الفيزياء و الفضاء و الوراثة و التعليم الالكتروني و الافتراضي و التجارة و التسويق الالكتروني… الخ كل ذلك وضع المؤسسات التعليمية في مأزق حقيقي فهل استجابت لتلك المتغيرات و هل استعدت للوفاء باحتياجات تلك الثورة التكنولوجية المذهلة ؟.
و الحق أن تلك المستجدات ألقت بظلالها على شتى مناحي الحياة وخاصة الجانب الاقتصادي فقل حجم العمالة و زادت نسبة البطالة و توقف التوظيف الحكومي المعتاد و ظهرت مهن جديدة و اندثرت مهن أخرى و حدث (حراك مهني) كبير حيث غير بعض الافراد مهنتهم استجابة لاحتياجات سوق العمل المتجددة و لتطور المهام الوظيفية للمهن المختلفة فاصبحت تتطلب مهارات مهنية و تكنولوجية حديثة و مختلفة ولعل ذلك ما أدى إلى ازداد التوجه نحو العمل الحر و ريادة الاعمال، وأصبح الاستجابة لمتطلبات سوق العمل و للبرامج التحويلية و التدريب و التنمية المهنية فرض عين على كل فرد يريد الحفاظ على هويته المهنية كما يعد أحد أهم المؤشرات التي يقاس في ضوءها تقدم الامم و خاصة في الجامعات باعتبارها قاطرة التنمية الشاملة و أداة المجتمعات الاساسية في إحداث أي إصلاح اقتصادي أو سياسي او مجتمعي .
و في ضوء استراتيجية مصر 2030 و التوجهات الرئاسية نحو إقامة مشروعات قومية كبرى صناعية و زراعية و خدمية ترتقي بحياة المواطن المصري نتساءل هل استجابت المؤسسات التعليمية و الجامعات لتلك المشروعات ؟ الحقيقة أن البون ما زال ساشعا ومازلنا نحتاج إلى العديد من الخطوات و يحسب لبعض الجامعات الخاصة الاستجابة السريعة و فتح برامج جديدة تلبية لتلك التوجهات و لا زالت الجامعات الحكومية بقيودها الادارية و المالية متأخرة في خطاها. فمازلنا جتى الآن في حاجة ملحة لإنشاء جامعات تكنولوجية وجامعات للشركات و إلي التوسع في مدارس التعليم الثانوي الفني و النوعي والتكنولوجي التطبيقي التي توفر الفنيين و العمال المهرة للوظائف المساعدة و المتوسطة ومدراس التعليم المزدوج و مدارس المصانع .
و رغم كل ذلك و في مثل هذا الوقت من كل عام و مع ظهور نتيجة الثانوية العامة يتسابق الطلاب و أولياء امورهم – متاثرين بفكر قديم و موروث و غير ملائم للعصر- في الالتحاق بكليات بعينها تخرج أعدادا ضخمة ليس للمجتمع حاجة فيها و تمثل عبئا على الأسرة و المجتمع متناسين الاحتياجات الحقيقية لسوق العمل التي تضمن لأبنائهم دخلا مجزيا وحياة كريمة و وضعا لائقا مستقبلا بما يتناسب مع ظروف العصر و متطلباته.
و نشدد هنا على دور الاعلام المصري المرئي و المسموع و المقروء في التوعية بأهمية الالتحاق بالتخصصات الحديثة و المطلوبة و الابتعاد عن الالتحاق بتخصصات قديمة قد لا يحتاجها سوق العمل و ترتبط بتراث قديم يركز على المطالب والوجاهة الاجتماعية بغض النظر عن المردود الاقتصادي منها ، و لعل ذلك يتطلب قيام وزارتي التربية و التعليم و التعليم العالي بدور فعال في عمليتي التوجيه و الارشاد الاكاديمي للطلاب للالتحاق بتلك التخصصات و تبني التخطيط للتعليم الذي يركز على احتياجات سوق العمل المتغيرة و المتجددة جنبا الي جنب و الاحتياجات الاجتماعية .
و هنا تجدر الإشارة لأهمية توجية طلاب الثانوية العامة و أولياء امورهم لأهمية التدقيق في اختيار الكلية أو التخصص والمجال الذي يرتبط بمهنة المستقبل و أن ينظر أين نحن من تخصصات الذكاء الاصطناعي و النظم الخبيرة و مجال الطاقة النووية و مجال الجيولوجيا و التعدين و مجال النانوتكنولوجي و البيوتكونولجي و الهندسة الحيوية و هندسة البيانات و غيرها فنحن في أمس الحاجة لأنسان مصري عصري واعي وطني لديه رغبة حقيقية في التجديد و التطوير و المنافسة في سوق العمل محليا و عالميا.